IMLebanon

الأسد.. لا حلّ معه ولا حلّ من دونه

منذ خمسة أعوام، تتحكّم لاءان بالأزمة السورية: «لا حل مع الأسد»، و «لا حل من دون الأسد». وبين اللاءين تتضاءل سوريا وتكاد أن تضمحلّ. ما بقي من سوريا حتى الآن، مهدّد بأن يشبه ما مات فيها. قطار الأزمة متوقف عند محطة «اللاءين»، وكل ما عدا ذلك قابل للتفاوض في ما بعد.

مُعسكر «لا حل مع الأسد» لم يتغيَّر. الجملة الأولى في التصريحات السعودية هي هي. تركيا ملتزمة بذلك برغم الانهماك بالمسألة الكردية. دول الخليج تردّد الموقف السعودي.

معسكر «لا حل من دون الأسد» لم يتغيّر. إيران رسمت خطاً أحمر لا تتجاوزه. موسكو رسمت خطاً وضعت فيه مصير الأسد بيد الشعب السوري. أي الحل يبدأ مع الأسد وليس من دونه.

الولايات المتحدة الأميركية ومجموعة الدول الأوروبية، اختارت «لعم». هي لا تريد الأسد ولكن لا بد من العبور به، بطريقة ما. كل المشكلة تبدأ من هنا. وفي الخلاصة تصير المعادلة: «الأسد هو المشكلة، وليس الحل».

منذ ذلك الوقت، من خمسة أعوام حتى لحظة الانسحاب من «جنيف 3»، بلغ الدم السوري مرتبة غير مسبوقة، بالأرقام وبالمعاناة. الأرقام مذهلة: اربعمئة ألف قتيل على الأقل، أكثر من عشرة ملايين مهجّر ونازح سوري، ملايين شاردة بين دول الحوار وأسوار المجموعة الأوروبية، خسائر بالمليارات، تقدر كلفة إعادة الإعمار بمئتي مليار دولار، والحبل على الجرار، الخريطة السورية تشلّعت، قرى أبيدت، أحياء دمّرت، جماعات اقتلعت، مدن تفتتت. نبتت جماعات بأنياب وتوحّشت منظمات. أسلحة القتال تمارين للموت الجماعي. لا أرقام تستطيع أن تحصي عدد المعتقلين والمخفيين والآلام التي باتت الخبز اليومي للدموع… منذ خمس سنوات وسوريا ترتكب الكوارث. ولم تجد بعد طريقاً، ولن، غير الوقوف على باب «اللاءين» إلى أن تحين الساعة، وقد لا تحين.

شيء من العبث والإدمان عليه. معروف ان التفاوض في الحالة السورية شائك وصعب ويكاد أن يكون مستحيلاً. حتى الآن، لم يبدأ التفاوض مواجهة. الوفود لا تلتقي إلا بالمبعوث الدولي دو ميستورا… شيء من العبث أن يكون اللجوء إلى المزيد من القتال، بديلاً عن التفاوض مع وقف التنفيذ. شيء معلوم، أن التفاوض هو ترجمة للقوى العسكرية والمواقع والمواجهات. هذا أمر شهدته جولات التفاوض إبان كل حرب وبعد كل حرب. لكن المفجع، ان العودة إلى القتال لن تغيِّر كثيراً في المواقف ولن تبدّل في المواقع… خمس سنوات لم ينتصر فيها أحد على أحد. الكل يؤكد، أن الحل العسكري مستحيل، قد تتحسّن مواقع، قد تُستعاد مناطق، قد تُحضَّر أسلحة جديدة، ومع ذلك، فالكبار، روس وأميركيون، يؤكدون أن لا بديل عن الحل السياسي… فإلى أين يعود «أهل جنيف 3»؟

النظام، لن يستسلم ولن يُهزَم ولن يتركه حلفاؤه يصل إلى حافة الهاوية. فعلوها. جاءت عاصفة السوخوي لتعيد التعادل إلى جبهات القتال. في المقابل، المعارضة لن تستسلم ولن تُهزَم. قد تخسر قليلاً وقد تتراجع أقل، ولكن السعودية وتركيا تحشدان وتزودان المعارضة بأسلحة كاسرة للتوازن نسبياً: صواريخ أرض جو باتت تهدّد طلعات الطيران الحربي. المشهد يزداد تلبّداً جواً وبراً. تركيا حشدت وقصفت، وآخر الأنباء تشير إلى توغل حشود عسكرية في الأراضي السورية.

مَن لم يشترك بعد في المذبحة؟

النظام يعرف ما ينتظره، أمامه فرصة متاحة لاستكمال حروبه في ما بعد تدمر. حلب تتحضّر، المدفعية الروسية تتجهّز لإنجاز خرق في المواجهة. المعارضة تعبّئ ما لديها من قوى. تضرب في المناطق الرخوة والحساسة. ريف اللاذقية في مرمى نيرانها… هذا غير كافٍ لتغيير موازين القوى. تشتعل الجبهات التقليدية، تستفيد «النصرة» ويستبق «داعش»، فيحتلّ المخيم المحاذي لدمشق، إلى آخر ما «تبتكره» المعارضات من حصارات واتهامات، بانتظار أن تنظر الولايات المتحدة الأميركية «بعين العطف» على «واقع الحال».

لا مفرّ من الحرب. ولا مفرّ من الحل أيضاً. تستبق الحرب الحلول. سيطول زمن الحرب أيضاً. الروس عدّلوا ميزان القوى. رجحوا النظام على المعارضة، ولكن ذلك ليس كافياً لتليين مواقف المعارضة. السعودية ما تزال في الطليعة، كأنها في الأيام الأولى من الحرب السورية. مستعدّة للإنفاق والتسليح وكسر التوازن. السعودية تقود حروباً بالجملة. عدوها الاستراتيجي أينما كان، هو إيران، ومن يتشبّه بها أو من يلوذ بها. في سوريا الرياض تواجه طهران. كذلك في اليمن، ومثلها في العراق.

وإذا كان الحلفان ما زالا على حالهما، فإن الحرب ستبقى على نارها المشتعلة، والحل على بوابة الانتظار، إلا إذا:

أولاً: وجدوا صيغة لتجاوز «اللاءين». وتأجيل البحث في مصير الأسد، إلى ما بعد تشكيل الهيئة الانتقالية. ويبدو مثل هذا صعباً جداً.

ثانياً: استطاعت موسكو وواشنطن الضغط على حلفائهما، عبر انتزاع أنياب الطرفين، وإقناعهما بأن الحل ممكن، مع الأسد أو من دونه، سيّان.

كيف ذلك؟ لا أحد يدري بعد.

في هذه الأثناء، يمكن أن تتخذ المسألة الكردية منحى ذاتياً واقعياً، عبر تشكيل كيان خاص، صافٍ عرقياً، ومدعوم من قبل واشنطن، من دون أن يعني ذلك اطمئناناً إلى الجانب التركي. فالأكراد، ما عادوا حالة ضاغطة سوريا، لأن القلق التركي يزداد ويشتد، مع ازدياد العنف في الأراضي التركية.

منذ خمسة أعوام وسوريا تتقلّص. ماذا لو استمرت الحرب خمسة أعوام أخرى.

نخشى أن تكون الخاتمة. وداعاً سوريا.