قبيل الزيارة التي قام بها الموفد الدولي الى سوريا ستيفان دو ميستورا مطلع الاسبوع الحالي متوجا لقاءاته بلقاء الرئيس بشار الاسد، ادلى الأخير بمجموعة أحاديث صحافية الى وسائل اعلامية غربية موجهاً رسائل الى الولايات المتحدة في شكل أساسي والى المجتمع الدولي عن أهليته للاستمرار ومستبقاً البنود الجديدة حول اقتراح تجميد الصراع في حلب الذي يقول دو ميستورا انه جوهر تحركه الاولي من أجل الوصول الى حل سياسي. ولم يعلن عن اي لقاء لدو ميستورا في اثناء عبوره لبنان الى دمشق على غير عادته في زيارتيه السابقتين ربما من أجل ضمان تجاوب النظام مع بعض الاقتراحات او تجنباً لاظهار تأثير لبنان في مواقف دو ميستورا استناداً الى الاعتراضات التي ساقها مساعدو الاسد لفريق عمل الموفد الدولي على لقائه قيادات وزعماء لبنانيين لاستمرار تحسسهم من مواقف هؤلاء ازاء النظام. وخلص مراقبون ديبلوماسيون من الاحاديث التي ادلى بها الاسد انه لا يزال في المربع الاول من الازمة السورية ولم ينتقل بعد الى الخطة “ب” وفق ما يفترض ان تكون عليه الحال بالنسبة الى نظام جرب خلال اربع سنوات “حلاً” بالحديد والنار من دون جدوى ولا يزال يطرح المقاربة نفسها للحكم، على رغم ان اقتراحات حلول تجري مقاربتها وان كانت لا تخرج الى العلن. لكن النظام وحتى، وفقا لمتصلين به، يبني على التسليم ببقائه مرحلياً من جانب الولايات المتحدة في شكل أساسي وغض النظر عنه لمصلحة تركيز كل الاهتمام على تنظيم “الدولة الاسلامية” من أجل الدفع نحو مكاسب أخرى مراهناً على عامل الوقت من جهة وعلى التغييرات الاقليمية والدولية من جهة أخرى.
ينقل متصلون بالنظام عن مسؤوليه ان عامل الانزعاج الأساسي بالنسبة اليهم في الشأن اللبناني الذي يستشعره هؤلاء أكثر من أي وقت مضى كان موافقة دمشق على تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية في لبنان لمصلحة تعزيز صلاحية رئيس الحكومة الذي يعود موقعه للطائفة السنية. وهذه ملاحظة لافتة لا يمكن فهمها الا في اطار ما يعتقده مراقبون مهتمون تحسس الرئيس السوري من احتمال حل سياسي يتم تداوله ويقضي بتقليص صلاحيات رئيس الجمهورية العلوي في حال تم الاتفاق على ان يبقى منصب رئاسة الجمهورية في سوريا للاقلية العلوية على سبيل طمأنتها الى مصيرها خصوصاً في حال تم اقتراح حل سياسي على الطريقة اللبنانية اي مشاركة جميع الطوائف في الحكم بحصص ذات معنى على غرار ما دفعت اليه سوريا في لبنان إبان الحرب كما سعت الى فرضه في ترجمتها لتنفيذ اتفاق الطائف. فان تغدو صلاحيات رئيس الجمهورية في يد الحكومة وتتعزز صلاحيات رئيس الحكومة السني لا يبدو ان النظام في وارد القبول به استناداً الى ان الصيغة اللبنانية غير ناجحة وفق ما بات يبدو عليه التعثر الداخلي اللبناني أكثر فأكثر. ولعل النظام يستشهد بالوضع اللبناني وتعطيل حلفائه المستمر منذ تسعة أشهر انتخاب رئيس للجمهورية وعرقلة القرارات الحكومية في لبنان من أجل ان يبني على ذلك رفضه لصيغة حل على الطريقة اللبنانية فيما هو لا يزال يتطلع الى العودة الى الامساك بكامل السلطة في سوريا علماً ان ذلك يقرب من الاستحالة.
في مشروع الاقتراح الذي انطلق منه دو ميستورا من أجل ان يضع تجميد الصراع في حلب نقطة انطلاق لعمله، وهو اقتراح وضعته مجموعة عمل التقت معارضي النظام كما مسؤوليه الأقرب والأكثر تأثيراً، نقل عن هؤلاء الآخيرين قولهم ما مفاده ان النظام يمكن ان يقفل او ينهي وجود “حزب الله” في سوريا في دقيقة في سياق القول ان “الحكومة السورية لا تستطيع النوم في سرير واحد مع الايرانيين لأن هناك عقلية مختلفة وان العلويين يقلقون عادة من اي أصولية لكن يمكن ان يكونوا اصدقاء وان النظام الايراني والدولة الايرانية مختلفين كلياً اذ حين نتحدث مع المرشد الأعلى والحرس الثوري فهم حلفاؤنا لكن حين نتحدث مع الدولة فانها تريد ان تستخدمنا ورقة من أجل التفاوض مع الغرب” مضيفين ان النظام السوري يشعر “ان الاميركيين يدفعونه من أجل الخضوع للهيمنة الايرانية لكن اذا كانت هناك علاقة محتملة مع الاميركيين فانه يمكن ان يكون هناك قوة في العلاقة مع الايرانيين ويمكن ان يكون هناك علاقة خارجية متوازنة ” نقلاً عن مسؤولي النظام.
إلا ان المراقبين المعنيين يقولون ان النظام يحاول بيع الاميركيين والعرب خصوصاً ما قد يكون بات صعباً عليه هو ان يكون مفيداً في منع سقوط سوريا كلياً تحت النفوذ الايراني في ظل الخشية الاسرائيلية بالنسبة الى الاميركيين من وجود ايراني على حدودها في سوريا كما على الحدود مع لبنان وفي ظل عدم رغبة عربية في دوران سوريا في فلك ايران وفق ما يصر على ذلك المسؤولون الايرانيون الذين باتوا يشملون سوريا الى جانب لبنان والعراق وأخيراً اليمن من ضمن انتصاراتهم في المنطقة. لكن مع تحقيق “حزب الله” والميليشيات الشيعية الأخرى الانتصارات الميدانية للنظام منذ القصير وصولاً الى الايام الأخيرة حيث اقر النظام بخوض هذه الميليشيات حربه الداخلية ضد خصومه من المعارضين، لا يرى هؤلاء المراقبون الا انزلاق سوريا الى التجربة اللبنانية ابان الحرب مع احتمال الحلول المقترحة خصوصاً ما لم تدشن سوريا الفدرلة في المنطقة وتنقلها الى كل من العراق ولبنان او ان تخضع لصيغ المشاركة في الحكم بناء على تجربة لبنان على الأقل في ظل تعثر التجربة العراقية حتى الآن.