تحوّلت سوريا مسرحاً رئيسياً للحرب الدولية على الإرهاب. تقود الولايات المتحدة تحالفاً من ٦٠ دولة. ترسل روسيا خبراء ووحدات من الجيش الأحمر. لم تخف ايران يوماً أن الحرس الثوري و”حزب الله” هناك. تجاهر تركيا أكثر فأكثر بحضورها العسكري. تعلن السعودية باستمرار أنها جزء من هذه المعركة. أما اسرائيل فتقف مكتوفة تتفرج على نهاية بلد عربي آخر في جوارها.
تبدو الصورة الراهنة أكثر قتامة من أي وقت مضى. لا يزال الرئيس بشار الأسد محتفظاً بمكانه، بينما يتهجر السوريون في أرضهم، أو يلجأون الى دول الجوار، أو يهاجرون الى أوروبا والولايات المتحدة، أو تتقطع بهم السبل في بلاد الله وبحاره الواسعة.
يمتد هذا المسرح الرئيسي في سوريا الى البعض الكبير من العراق. ينشط مجاهدو “الدولة الإسلامية – داعش” على مساحات شاسعة أبعد من مدينتي الرقة السورية والموصل العراقية. تتسع “دولة الخلافة” هذه لكل متطرف عنيف. يؤهلهم اعتناق مذهب تنظيم “القاعدة” في الإرهاب والانتماء الى أي من الفصائل المتفرعة منه. يمتد هذا المسرح الى البعض الصغير نسبياً حتى الآن من لبنان. تتحرك “جبهة النصرة” علناً في عرسال. غير أن الهمس يسمع أحياناً في لجان الأمم المتحدة المتخصصة بالعقوبات على “القاعدة” والجماعات الإرهابية الأخرى عن خلايا نائمة في أماكن عدة. إنهم ينتظرون الفتاوى.
لـ”دولة الخلافة” امتدادات أبعد. هناك مسارح أخرى. يسيطر تنظيم “القاعدة في جزيرة العرب” على محافظات ومدن في اليمن. لا تزال “حركة الشباب المجاهدين” تهيمن على مساحات واسعة في الصومال. يشن “أنصار بيت المقدس” هجمات على قوات الأمن في شبه جزيرة سيناء في مصر. تمكن “أنصار الشريعة” و”داعش” من الانتشار أكثر في ليبيا. لا تزال خلايا “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” تتحرك حتى عبر الجزائر والمغرب. دعكم من “بوكو حرام” في نيجيريا وأشباهها في مالي. يظهر الذهاب شرقاً المزيد من هذه الجماعات الخطرة. تشكل باكستان وأفغانستان والجمهوريات ذات الغالبية المسلمة في القوقاز وروسيا خزاناً لا ينضب من المجاهدين.
على رغم اجماع الموقف الدولي على محاربة الإرهاب، تتضارب مصالح اللاعبين على المسرح السوري. مع حلول الذكرى السنوية الرابعة عشرة لهجمات ١١ أيلول ٢٠٠١، يتضاعف مستوى القلق عند الأميركيين من النظام السوري الذي سمح بانتشار الجماعات الإرهابية التي تشكل خطراً على المصالح الحيوية للولايات المتحدة في المنطقة. وكذلك لا ينسى ورثة الحقبة السوفياتية كيف تمكن المجاهدون من إخراج جحافل الجيش الأحمر من أفغانستان. تفتح سوريا ليس فقط باباً للثأر من المجاهدين الجدد بل أيضاً للدفاع عن حليف قديم. تنظيم “داعش” ابن شرعي من بنات أفكار “القاعدة” من أسامة بن لادن الى أيمن الظواهري.
على هذا الوقع تستعر المعارك بين أطراف الحرب السورية، بالأصالة وبالوكالة أيضاً، والحرب على الإرهاب في سوريا. تبقي المعادلة الراهنة بشار الأسد. ترحل المزيد من السوريين. وتنهي ما تبقى من وحدة أرض سوريا.