Site icon IMLebanon

بقاء الأسد في حلّ المرحلة الانتقالية يعني المزيد من اللاجئين والتطرف والإرهاب

أثارت الولايات المتحدة والدول الاوروبية تساؤلات كبيرة لا تقل عن تلك التي اثارها تعزيز روسيا وجودها العسكري في اللاذقية في سوريا في اطار ردود الفعل التي ابدتها على هذه الخطوة. اعلان هؤلاء جميعهم انتظار اجوبة من روسيا على تدخلها العسكري المباشر، فضلا عن انتظار ما سيعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في خطابه امام الجمعية العمومية للامم المتحدة من اهداف له حول هذه المسألة، يُظهران ان الخطوة الروسية لم يتم تنسيقها مع اوروبا ولا مع الولايات المتحدة، بل كانت مفاجئة لهم جميعا من حيث المبدأ على الاقل. ولذا فإن مسارعة هذه الدول الى اعلان قبولها بان يشارك الرئيس السوري بشار الاسد في المرحلة الانتقالية في موازاة دفع روسيا في اتجاه دعمه بالعتاد العسكري والاصرار على بقائه، بدت كذلك مفاجئة ومحبطة في الوقت نفسه بالنسبة الى مراقبين كثر.اذ برز تناقض قوي بين اعطاء الانطباع بان الغرب لا يفهم خطوة روسيا ويرغب في الحصول على تفسيرات توضحها، والتجاوب على نحو فوري مع بند لعله الابرز على جدول الحل الروسي للازمة السورية. فالمواقف الاوروبية المعلنة التي توالت من المانيا وفرنسا وبريطانيا لم تأت على طاولة المفاوضات، بل بدت كأنها خفضت سقف هذه المفاوضات اذا كان ثمة محاولة لاطلاقها، وتاليا فهي سابقة لاوانها انطلاقا من انه اذا كانت هناك اتصالات بعيدة من الاضواء ساهمت في التوصل الى هذه النتيجة، فكان الاحرى بهذه الدول ان تعلن السلة المتكاملة للحل، اذا وجدت، لئلا يبدو هذا التنازل في غير محله تحت تأثير موازين القوى التي ساهمت روسيا في تغييرها عبر تعزيز وجودها العسكري في سوريا. يضاف الى ذلك أن الدول الغربية الداعمة للمعارضة السورية خلال الاعوام الاربعة الاخيرة ظهرت وكأنها تنازلت فجأة عن تشددها الرافض للاسد في اتجاه القبول به ولو لمرحلة انتقالية، خصوصا في غياب تفاصيل عن هذه المرحلة ومدتها. وهذا يمس بصدقية هذه الدول ليس في التزامها المعارضة للاسد الذي اعتبرته مسؤولا عن الجرائم التي ارتكبها في حق شعبه وعن قصفه بالاسلحة الكيميائية فحسب، بل ازاء مسؤوليتها الاخلاقية والمعنوية على هذا الصعيد في ظل اعلان نفسها مدافعة عن حقوق الشعب السوري وداعمة لقضيته. وتاليا، فهي لم تمهد لمرونتها ان لم يكن لتنازلها في موضوع القبول ببقاء الاسد في مرحلة انتقالية لو ان المبعوث الدولي الى سوريا ستيفان دوميستورا مهد لذلك في المشروع الذي طرحه في مجلس الامن حول سوريا وحظي بدعم الدول الخمس الكبرى وهو لم يأت على ذكر رحيل الاسد، بل تناول صلاحيات برتوكولية له. وقد انزلقت، جنبا الى جنب الاميركيين، الى المنطق الذي تروّج له روسيا في دعمها الاسد، ومؤداه ان المواجهة هي مع الارهاب في الدرجة الاولى، وان الازمة السورية ليست قضية شعب ثار ولا يزال على حكم ديكتاتوري يستمر منذ اربعين سنة، فيما يعلن الرئيس الروسي ان الاسد مستعد بعد قتل ما يزيد على ربع مليون سوري من مواطنيه، لقبول اشراك بعض المعارضين في الحكومة.

ووفق معلومات بعض المراقبين فإن الدول الاوروبية في شكل خاص أبدت موقفا هو اقرب الى رد الفعل منه الى الموقف المدروس تحت وطأة أمرين، أحدهما الارتباك الاميركي في التعامل مع التدخل الروسي العسكري المباشر في سوريا بحيث تناقضت مواقف المسؤولين الاميركيين الكبار من دون اعلان رفض قوي للخطوة الروسية واكتفاء الرئيس الاميركي باراك اوباما بان رهان روسيا على بشار الاسد هو رهان خاسر. والآخر هو تحت وطأة ازمة اللاجئين التي تعاظمت في الاونة الاخيرة في اتجاه هذه الدول، أكثر منه موقفا تفاوضيا. وعلى اثر اجتماع وزراء خارجية كل من فرنسا وبريطانيا والمانيا تنسيقا للمواقف عشية التوجه للمشاركة في اعمال الجمعية العمومية للامم المتحدة في نيويورك، عاد وزراء خارجية كل من فرنسا وبريطانيا لاعلان موقف اكثر تماسكا وانسجاما مع مواقفهم المبدئية من رئيس النظام السوري، لعله كان استباقا لما سيثار على هامش اعمال الجمعية العمومية للمنظمة الدولية، اذ قال وزير الخارجية الاميركي جون كيري انه يعتزم تقديم مشروع حل سياسي للازمة السورية. واعاد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند تصويب الموقف الفرنسي لجهة التركيز على الجزء الذي لا يظهر تنازلا اوروبيا، اي ان الاسد لا يمكن ان يكون جزءا من مستقبل سوريا بدلا من التركيز على القبول به في مرحلة انتقالية. لكن يخشى المراقبون في اي حال، في ظل حل سياسي يبقي الاسد مرحليا في فترة انتقالية، ان تدفع اوروبا اكثر من غيرها ثمن القبول بهذا الحل ما لم يكن مسندا ومدعما بضمانات قوية وحاسمة لرحيله، من ضمن أمد منظور وضئيل جدا، استنادا الى ان استمراره في ظل اي حل سيكون دافعا لما باتت تشكوه هذه الدول، اي المزيد من اللاجئين والتشدد والهروب الى الارهاب، في غياب خيارات بديلة للشعب السوري، باعتبار ان الحلول المطروحة لا تراعي مصالحه بمقدار ما تراعي مصالح الدول الكبرى او الدول الاقليمية الداعمة للنظام او المناهضة له، هذا اذا تم التسليم جدلا بأن هناك حلولا قريبة يمكن ان تنطلق. وبعض المصادر لا يبدي تفاؤلا بذلك، ولو انه يعتبر ان ما سيعقد من اجتماعات على هامش اعمال الجمعية العمومية للامم المتحدة سيؤكد ذلك اكثر.