قبل نحو ثلاثة اسابيع رنّ هاتف احد اصدقاء رئيس تكتل التغيير والاصلاح ميشال عون الجالس بقربه في الرابية، وضع الهاتف بين يديه قائلا «سيادة الرئيس» على الخط، دقائق معدودة دار خلالها حديث ودي للغاية بين الرئيس السوري بشار الاسد و«الجنرال»، ارتياح شديد بدت ملامحه على محياه، كان مرتاحا للغاية، ثمة تقدير سوري كبير لمواقفه، ثمة وفاء غير عادي في كلام الرئيس السوري لجهة حفظ مكانته ودوره، الاسد كان جازما في قوله، «هي اشهر معدودات وسيتغير الموقف نحو الافضل». لا يحتاج «الجنرال» الى توصية بالثبات على قناعاته، لكنه ادرك ان ثمة شيئاً ما في الافق غير عادي، دفع بالرئيس السوري الى «طمأنته» شخصيا.
طبعا موعد المخابرة كان متفقاً عليه من قبل، وكانت مهمة «الضيف» تأمين هذا الخط «الآمن» لاجراء هذه المحادثة بين الرجلين. لم يقل الاسد ان الروس «وصلوا» والتحضيرات لـ«عاصفة» السوخوي اقتربت، هذا مجرد تفصيل لا يناقش على الهاتف، لكن المهم في «اروقة» الرابية ان الاسد كان معنيا باطلاع «الجنرال» على هذا التطور الاستراتيجي في المنطقة قبل حصوله، باعتباره جزءا من هذا المحور الذي ارتضى ان يكون في كنفه سواء خسر او ربح، فكان الرئيس السوري معنيا بابلاغه ان «زمن الانتصارات» قادم، والمطلوب الاستعداد لهذه المرحلة.
هذا «النبش» في الذاكرة من قبل اوساط بارزة في 8آذار، يأتي في سياق التعليق على ما يدور من «عصف فكري» حول طاولة الحوار بشأن مواصفات الرئيس العتيد، ثمة هدر للجهد والوقت في نقاش عقيم لا يخلو من «الهلوسات» «وثقل الدم» من قبل بعض «الفلاسفة» الذين يواظبون على تقديم نظريات وملامح رئاسية تؤكد انهم في «عالم آخر». الزمن يتغير والبعض في فريق 14آذار يصر على «المناكفة» غير المجدية مع فريق يشعر للمرة الاولى منذ سنوات انه يستطيع فعليا «قلب الطاولة» على «خصومه».
وبحسب تلك الاوساط، فان هذا «الانكار» للواقع لا يرتبط بقصور ذهني عند الفريق الاخر، وانما في انعدام الخيارات، فالانتظار هو «الدواء» الاكثر فعالية في هذه المرحلة، «الاستسلام» المبكر غير مفيد، الراعي الاقليمي السعودي مصر على عدم «التفريط بالورقة اللبنانية»، قد يحتاجها لاحقا لاستخدامها في سياق «رسائل» حسن النية، لكن التنازل الان سيفهم بطريقة خاطئة، وطالما ان الاجواء «باردة» يمكن تمديد عمر الازمة الى وقت لاحق، المطلوب فقط «العناد» والتمسك بما هو في متناول اليد، بعد ان اتضح ان امكانيات تيار المستقبل لا تسمح له بالدخول في مغامرات كبرى غير محسوبة النتائج في ظل تراجع قدراته التنظيمية و«تسرب» جمهوره الى التنظيمات الاكثر تشددا. طبعا الرياض التي اعادت فتح قنوات الاتصال مع «الاخوان المسلمين» لتوحيد الجهود في سوريا، تبحث عمّن يعينها في لبنان على ادارة صراع بالوكالة، دون ان تجد حتى الان اكثر من بضعة صبية يشكلون مجموعات «عنقودية» نفذوا اولى مهامهم بزرع عبوة ناسفة على طريق شتورة. انه مسار امني محفوف بالمخاطر له قنواته الخاصة الكفيلة بمعالجته ميدانيا، لكن يبقى السؤال عن اهمية الانتظار سياسيا؟ وما هي النتائج المتوخاة؟
وفقا للمعلومات المسربة من لقاءات حصلت مؤخرا بين اطراف فاعلة في فريقي 8 و14 آذار، ثمة تسليم في الغرف المغلقة بان محور المقاومة لم يتجاوز فقط المخاطر وانما انتقل الى مرحلة جديدة يبنى عليها للقول انها الخطوات الاولى الواثقة نحو انتصار مشروعه، والاسئلة لدى «خصوم هذا المحور» تجاوزت كثيرا «الصخب» العلني في المواقف «الاستعراضية»، الى نقاش جدي حول الاجابة على سؤال محوري يثير قلق هذا الفريق، كيف سيصرف هذا «التفوق النوعي» على الساحة اللبنانية؟
حتى الان لا يجد الفريق الاخر نفسه ملزما باعطاء اجابة متكاملة عن هذا السؤال، ليس من باب الترف، ولكن من باب عدم «حرق المراحل» ايضا، فمن يشعر «بفائض» القوة الروسي، ليس معنيا اليوم بتثمير نتائجه السياسية على الساحة اللبنانية قبل اكتمال عناصره بالهجوم البري المرتقب على اكثر من محور على امتداد الجغرافيا السورية. هذا السيناريو المعد سيؤسس لمرحلة جديدة يبنى عليها في المنطقة ولبنان، فلماذا الاستعجال الآن؟ الفريق الاخر يستعجل الاجوبة ويحاول تثبيت خطوط عامة يسعى الى الحفاظ عليها وعدم التفريط بها، متكئا على تجارب سابقة، كان اخطرها بالنسبة اليه عقب احداث السابع من ايار الشهيرة والتي ترجمت سياسيا في الدوحة اتفاقا لم يؤد الى الاخلال بالقواعد العامة المتفق عليها في البلاد. والسؤال المطروح اليوم هل سنكون امام دوحة جديدة ام طائف جديد؟
طبعا لا اجابات واضحة في هذا السياق، لكن مما لا شك فيه ان تيار المستقبل الشديد القلق ازاء التطورات الاخيرة على الساحة السورية، يعرف جيدا ان لبنان بحكم «التاريخ والجغرافيا» سيكون الاكثر تاثرا بنتائج الحرب السورية، الدخول الروسي ليس مغامرة غير محسوبة، التشكيك اليوم بشرعية الاسد ومستقبله، مجرد «ترهات» تقال جزافا لارضاء الرعاة، وغش الجمهور ورفع معنوياته. الجميع بدأ يتحضر لمرحلة جديدة سيكون فيها الرئيس السوري في سدة الرئاسة، والمفيد في هذا الوقت البدء بالتحضيرات المناسبة للتعامل مع هذه الوقائع.
وفي هذا السياق، ابلغ احد الوزراء البارزين في 14آذار بعض الاصدقاء، ان دور حزب الله الفاعل وتاثيره المرتقب في قررات القيادة السورية، سيكونان عاملا مفيدا في كبح «الغلو» السوري المعتاد، وهذا الامر يمكن الاستثمار فيه، فالحزب اثبت «عقلانية» متناهية في التعامل مع الوقائع والتحولات الكبرى ولم يعمل على توظيفها في «كسر» الفريق الاخر، وهذا يقلل من مخاطر حصول اختلال في التوازنات الداخلية الاساسية، اما التفاصيل الاخرى فيمكن التفاهم عليها، ولبنان كان وسيبقى بلد التسويات…
هذا الاقرار «الخافت» بالوقائع والرهان على «عقلانية» حزب الله في المستقبل، لا يزيلان «الهواجس» السائدة في دوائر القرار في 14 آذار وتيار المستقبل، فالاسئلة مفتوحة على مصراعيها، الحزب دفع ثمنا كبيرا في سوريا ولن يفرط بدماء شهدائه، اذا انتصر هناك لن يقبل بالهزيمة في لبنان، لكن السؤال المركزي يبقى حول الثمن الذي يرضيه؟ لا جواب. استطرادا فان الرئاسة قد لا تكون جزءا من هذا الثمن، ودخول عون الى قصر بعبدا قد يكون من المسلمات، واهتمام الاسد شخصيا بوضعه في التطورات «رسالة» بالغة الدلالة، ومن يظن ان هذا «حلم» لن يتحقق، فهل كان في اسوأ كوابيسه يظن ان روسيا ستتمدد الى حدودنا الشرقية؟؟؟