لم يُشكّل تعبير وزير الخارجية الأميركية جون كيري عن أمله في الإعلان عن إحراز تقدم للتوصل الى حلٍّ ديبلوماسيّ في سوريا مطلع شهر آب، مفاجأة صادمة للأوساط الديبلوماسية المتابعة في العمق لتفاصيل الملف السوري.
في الأساس وعلى رغم المعارك العنيفة التي دارت على جبهات القتال المختلفة وخصوصاً في حلب، فإنّ زوار موسكو من المهتمين بالتسوية في سوريا ومن بينهم مسؤولون لبنانيون، سمعوا إقتناعاً روسياً بأنّ «برنامج آب» سيحقق الخطوات المنتظرة منه على رغم حرص المسؤولين الروس الكبار، وفي طليعتهم وزير الخارجية سيرغي لافروف على إبقاء تفاصيل «برنامج آب» طيّ الكتمان، لكنّ انطباع زوار موسكو هو أنّ ثمّة مشروعاً كاملاً جاري العمل عليه بالتفاهم بين موسكو وواشنطن، ستبدأ تباشيره بالظهور في شهر آب. وقد جاء كلام كيري بعد لقائه نظيره الروسي في حضور المبعوث الأممي الى سوريا ستيفان دو ميستورا ليؤكد هذا الانطباع.
ولا تبدو التطوّرات التركية الأخيرة هي السبب في دفع الامور قدماً على رغم نتائجها المساعدة. فقريباً يزور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الغارق في مشروعه «تطهير» كلّ مؤسسات الدولة للإمساك بكلّ مفاصل السلطة، روسيا للقاء رئيسها فلاديمير بوتين. والواضح أنّ اردوغان يندفع في رهانه الجديد بتقصير المسافة مع موسكو كملاذ آمن من النيات الاميركية لاقتلاعه وكسندٍ اقتصادي لتوسيع حركة التبادل التجاري والنشاط السياحي في محاولة لإنقاذ حكمه من نقمة رجال الأعمال.
لكنّ الواضح أنّ بوتين سيطرح على نظيره التركي خطة «آب السورية» في وقت يصعب على أنقرة الاعتراض كثيراً.
وبات معروفاً أنّ التفاهم على الخطوط العريضة لـ»برنامج آب» تضمّن في ثناياه وضع «جبهة النصرة» في الخانة نفسها لتنظيم «داعش»، وبالتالي تشريع العمل العسكري الجوّي والبرّي ضدّهما تمهيداً لإنهاء حضورهما العسكري على الاراضي السورية.
وهو ما يعني ضمناً التفاهم على تركيبة الدولة واستمرار النظام الحالي برئاسة بشار الاسد ولكن وفق صيغة جديدة تلحظ حصص المعارضة المقبولة والتي ستنتظم داخل المناطق الخاضعة لها حالياً على أن تحمي حضورها من خلال سلطات محلّية انسجاماً مع نظام لامركزي موسّع يكون أقرب الى الفدرالية.
مناطق المعارضة تمتاز بالثروة المائية والقدرات الزراعية وربما الصناعية، فيما مناطق النظام ستمسك بالتجارة والثروة النفطية بعد أن يدخل الجيش السوري بالتعاون مع روسيا مناطق الرقة ودير الزور. و»برنامج آب» يلحظ أيضاً تخفيف نشاط الطيران الحربي السوري الى الحدّ الأدنى الممكن.
وبالنسبة إلى الأكراد، سيُستكمل الشريط المطلوب ولكن وفق التزاماتٍ روسية لحدود السلطة التي سيحظى بها الاكراد والتي ستكون في حدّها الأدنى، وفي إطار رقابة روسية لصيقة تماماً كما هي العلاقة بين القيادة العسكرية الروسية والجيش السوري حيث إنّ هناك ضابطاً روسياً في كلّ غرفة عمليات تابعة لكلّ قطعة عسكرية للجيش السوري.
لكن كلّ ذلك، على أهميته، لم يكن الدافع الحقيقي وراء التقدم الذي تعوِّل عليه كلّ من موسكو وواشنطن. وتروي مصادر ديبلوماسية رفيعة أنّ اختراقاً حصل على مستوى الخريطة الإقليمية، وتحديداً حول ملف التسوية مع إسرائيل سمح بدفع الأمور قدماً.
وتكشف هذه المصادر المطّلعة أنّ الرئيس السوري بشار الاسد كان زار موسكو سرّاً الشهر الماضي، وتحديداً قبل أيام معدودة من الزيارة الرابعة هذا العام لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الى العاصمة الروسية.
وتروي المصادر نفسها أنّ بوتين الذي التقى الأسد طرح معه كلّ نقاط «خطة آب»، إضافة إلى مرحلة ما بعد التسوية السورية، وتحديداً ملف التسوية الإسرائيلية – السورية، عارضاً المسودة التي كان قد توصل اليها فريق الرئيس الاميركي السابق بيل كيلنتون في نهاية عهده حول الجولان، معتبراً أنها تصلح لأن تشكل قاعدة التفاهم حول التسوية الإسرائيلية – السورية.
وقد عمل على هذه المسودّة يومها مارتن انديك وهو المرشح لأن يكون المسؤول عن ملف التسوية الإسرائيلية – العربية في فريق هيلاري كيلنتون في حال انتخابها رئيسة للولايات المتحدة الأميركية.
وتضيف هذه المصادر أنّ إيران قد وُضعت في أجواء نتائج زيارة الأسد السرّية وأنها ارسلت اشارات ايجابية في هذا المجال، ولا شك في أنّ نتائج هذا الاجتماع شكلت القوّة الدافعة الحقيقية للتقدم الذي سيبدأ بالظهور الشهر المقبل. لكنها تعترف بأنّ استعادة المسار التفاوضي حول سوريا قريباً لن يعني إنجاز التسوية والتي ستُترك للإدارة الأميركية المقبلة في شباط أو آذار من السنة المقبلة.
ومن الآن وحتى ذلك التاريخ، تدوير للزوايا السياسية وإنجازات ميدانية: أولاً في حلب لناحية استكمال الحصار ولكن من دون الدخول الى الجزء الشرقي من المدينة بما يحفظ الحدّ الأدنى للحضور التركي فيما تحرص إيران على عدم المبالغة في إحداث انقلاب كامل في معادلة حلب. وثانياً في الموصل في العراق، والرقة ودير الزور في سوريا لناحية إنهاء دولة «داعش».
وقد يكون ذلك وراء تصعيد تنظيم «داعش» عملياته في أوروبا والتي تأخذ طابعاً مأسوياً عنيفاً كما حصل في جريمة كنيسة النورماندي. وحسب الخبراء فإنّ قيادة «داعش» تريد استعادة بريقها الذي ارتكز على جرائم العنف المقزّز، وثانياً والأهم إحداث فرز بين شعوب أوروبا والشريحة الرمادية المقصود بها شريحة المسلمين الأوروبيين وكسبها الى جانب «داعش» من خلال إثارة الأوروبيين الأصليين ضدّها وجعلها عرضة لردات الفعل العاطفية.
وعزّزت تلك النظرية المعلومات التي حصلت عليها المخابرات الأميركية والأوروبية حول إصدار قيادة «داعش» تعليمات الى جميع كوادرها في أوروبا بالبقاء حيث هم وعدم الانتقال الى سوريا تمهيداً لمرحلة عنف كبيرة داخل أوروبا.
وهذا ما دفع رئيس الأمن الفرنسي باتريك كالغار الى إعطاء صورة سوداوية عن الوضع مرجِّحاً توجّه تنظيم «داعش» إلى بناء بنية تحتية لوجستية له في أوروبا تسمح بالانتقال الى مرحلة تفخيخ السيارات وتفجيرها في وقت ليس ببعيد.
وتبدو سبل إجهاض نيات «داعش» في أوروبا صعبة في ظل دراسات تؤكد أنّ 70 في المئة من كوادره هم من أبناء الطبقة الميسورة والمتوسطة والجامعيين.
أما انعكاس كلّ ما تقدم على لبنان، إنما سيعني أنّ الحلول لأزمته ستكون مقرونة بظهور التسوية في سوريا نهاية الشتاء المقبل. بحيث يخضع لبنان لاتفاق جديد يطاول رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة وقيادة الجيش وقانوناً جديداً للانتخابات وتعديلاتٍ دستورية جديدة تلائم الصورة الجديدة لسوريا.
وحتى ذلك الحين، فستاتيكو، ولكن على وقع انفتاح الشهية الارهابية لـ«داعش» في لبنان أيضاً مع عدم استبعاد حاجة لبنان الى هزّة قوية أمنية او ربما سياسية تشكل الذريعة المطلوبة لإدخاله في بازار التسوية السورية. هزّة قد تشكل المرحلة الثانية من الضغوط الأميركية المالية على «حزب الله» مقدّمة لها.