“الرئيس باراك اوباما وزعماء غربيون آخرون أكدوا للرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال محادثاتهم الاخيرة معه ان روسيا تستطيع تحقيق مكاسب وتعزيز موقفها التفاوضي وعلاقاتها مع الغرب من طريق التعاون الجدي مع الدول المؤثرة المعنية بالأزمة السورية من اجل ايجاد حل سياسي حقيقي شامل لهذه الأزمة، وليس من طريق الاكتفاء باستخدام القوة العسكرية ضد “داعش” واستهداف فصائل من المعارضة السورية بالغارات الجوية، في محاولة منها لدعم نظام الرئيس بشار الاسد ومنع سقوطه. وحذر الزعماء الغربيون من أن تبني الخيار العسكري وحده سيقود الى طريق مسدود ولن يمنح القيادة الروسية القدرة على تحقيق اهدافها الأساسية وضمان مصالحها الحيوية، وأبدوا استعدادهم للتفاهم والتعاون مع روسيا من أجل انجاز انتصار ديبلوماسي مشترك على أساس العمل الجدي معاً لايجاد وتطبيق الحل السياسي للأزمة، الأمر الذي يتطلب انهاء حكم الأسد بطريقة منظمة تمنع انهيار ما تبقى من مؤسسات الدولة ونقل السلطة الى نظام جديد تعددي يحقق المطالب والتطلعات المشروعة للشعب السوري بكل مكوناته. ويتحقق هذا الهدف بالضغط جدياً على الرئيس السوري واطلاق مفاوضات في اشراف الأمم المتحدة بين ممثلين للنظام والمعارضة السورية المعتدلة المعترف بها اقليمياً ودولياً تؤدي الى تشكيل هيئة حكم انتقالي تمارس السلطات التنفيذية الكاملة وتعمل على قيام النظام الجديد.
وركز الزعماء الغربيون على انه ليس ممكناً القضاء على “داعش” والارهابيين من غير انجاز حل سياسي شامل للأزمة، وان بقاء الاسد في السلطة يمنع الحل السياسي ويطيل الحرب ويعزز مواقع الارهابيين. وشدد اوباما بشكل خاص على ان القوة العسكرية الهائلة لن تقضي على الشعب السوري المحتج وعلى المعارضين الذين يطرحون مطالب مشروعة وان الحاجة ماسة الى ايجاد زعيم جديد وقيادة جديدة من أجل قيام سوريا الجديدة”.
هذا ما أدلى به الينا مسؤول دولي معني بالأزمة في لقاء خاص في باريس، وقال: “ان هذا الموقف الغربي المدعوم عربياً واقليمياً على نطاق واسع يشكل عرضاً واضحاً لبوتين لتصحيح مسار دوره في سوريا والانخراط في عملية سياسية حقيقية تنجز السلام والاستقرار في هذا البلد”. وأضاف ان ثلاثة عوامل اساسية دفعت القيادة الروسية الى التدخل عسكرياً وعلى نطاق واسع في سوريا هي الآتية:
اولاً: ارسل الاسد الى موسكو سراً في آب الماضي مبعوثاً خاصاً نقل الى القيادة الروسية تحذيراً مفاده ان القيادة السورية قد تضطر الى الانسحاب من دمشق والانكفاء الى منطقة الساحل والتركيز على الدفاع عن اللاذقية وطرطوس ومواقع مجاورة ومحاولة تشكيل كيان موقت هناك، لأن النظام لم يعد يملك قدرات كافية لحماية العاصمة السورية طويلاً. وتعاملت القيادة الروسية جدياً مع هذا التحذير، لأنه مطابق لمعلوماتها وبدأت مشاورات مع القيادتين السورية والايرانية للتفاهم على صيغة مناسبة تمنع حصول ما يحذر منه الأسد.
ثانياً: العامل الثاني هو فشل الأسد في انجاز تفاهم مع القيادة السعودية. ففي تموز الماضي اقترحت موسكو على المسؤولين السعوديين استقبال موفد خاص من الأسد للتفاهم على صيغة للحل. وعلى هذا الاساس استقبل ولي ولي العهد وزير الدفاع السعودي الامير محمد بن سلمان في جدة يوم 7 تموز اللواء علي مملوك رئيس المكتب الوطني السوري في حضور مسؤول روسي، لكن اللقاء فشل إذ بدا واضحاً في النقاش ان الأسد يريد اساساً ضمان بقائه في السلطة وبقاء نظامه الامر الذي رفضه الجانب السعودي الذي طالب بانسحاب العناصر الايرانية وقوات “حزب الله” والميليشيات المرتبطة بطهران واجراء انتخابات رئاسية ونيابية تعددية في اشراف الأمم المتحدة. وتنفيذ هذين المطلبين يؤدي الى انهاء حكم الأسد وقيام نظام جديد. وهذا الفشل جعل الأسد يدرك انه يواجه مأزقاً حقيقياً لن يستطيع الخروج منه بقدراته الذاتية.
ثالثاً: العامل الثالث هو فشل ايران والميليشيات المرتبطة بها في حماية النظام من التعرض لنكسات كبيرة إذ ان المناطق التي بات يسيطر عليها في ظل قتال الايرانيين وحلفائهم الى جانبه تقلصت الى نسبة 20 أو 25 في المئة من مساحة سوريا.
وخلص المسؤول الدولي الى القول: “هذه العوامل الاساسية الثلاثة دفعت بوتين الى التدخل عسكرياً في سوريا على نطاق واسع، لكن القراءة الدقيقة للوضع تظهر ان هذا الدور العسكري الجديد لن يحقق له النصر، بل ان من مصلحة بوتين قبول العرض الغربي – الاقليمي المقدم له. وستصل القيادة الروسية الى طريق مسدود إذا تمسكت بموقفها القائل ان انقاذ سوريا يتطلب بقاء الأسد ونظامه، ورفضت الموقف الغربي – الاقليمي القائل ان انقاذ سوريا يتطلب رحيل الأسد والمرتبطين به المسؤولين عن كوارث هذا البلد، وأن تتولى الحكم قيادة سورية جديدة تبني سوريا الجديدة”.