Site icon IMLebanon

الأسد كان وراء إقصاء وزير الدفاع الأميركي!

الأزمة السياسية الصامتة التي أخرجت وزير الدفاع الاميركي تشاك هيغل من الحكم لم تكن سوى نموذج آخر لتسلط الرئيس باراك اوباما على أفراد ادارته.

في مطلع الشهر الماضي صدر في الولايات المتحدة كتاب بعنوان: “معارك تستحق العناء”، برر فيه وزير الدفاع السابق، ليون بانيتا، استقالته من الادارة بسبب خلافه مع الرئيس حول توقيت إنسحاب القوات من العراق.

واعترف بانيتا بأن وكيلة وزارة الدفاع ميشال فلورنوي، حاولت أن تقدم مقترحات العسكريين بطريقة مقنعة يرضى عنها الرئيس. ولكنها فشلت في زحزحته عن عناده، مثلما فشل زميلها اشتون كارتر أيضاً.

واللافت أن فلورنوي وكارتر هما المرشحان الأوفر حظاً لخلافة هيغل، الأمر الذي ينبئ باستمرار الخلاف بين اوباما ومجلس القيادة المشتركة.

ويُعرب الوزير بانيتا عن أسفه، لأن نصائح العسكريين قوبلت بالاهمال والتجاهل من قِبل رئيس فضّل الاصغاء الى إدعاءات نوري المالكي وتبجّحاته السقيمة.

وأثناء عرضها لأسباب استقالة وزير الدفاع تشاك هيغل، حرصت صحيفة “نيويورك تايمز” على نشر جزء من وقائع جلسات الخلاف مع الرئيس اوباما حول السياسة المتّبعة في الشرق الأوسط.

وتؤكد الصحف الاميركية أن الاستقالة – أو الاقالة – كانت حصيلة مناقشات حامية بين الرئيس ووزير دفاعه، خصوصاً عقب الكشف عن الرسالة السرية التي وجهها اوباما الى المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي.

وهي رسالة بالغة الخطورة تحمل بين طياتها أهدافاً مثيرة للقلق، حسبما وصفتها جريدة “وول ستريت جورنال”. وقد تعمّد الرئيس إخفاءها عن أعضاء ادارته لاقتناعه بأنهم لا يوافقون عليها. خصوصاً أنها تتعهد بضمان استمرار حليف ايران في سوريا الرئيس بشار الأسد.

كما تتعهد، من جهة أخرى، بالتعاون العسكري ضد “داعش” شرط توصل ايران الى اتفاق نووي شامل.

وقد تزامن موعد الكشف عن رسالة اوباما مع موعد سفر نائبه جو بايدن الى انقرة، بغية الاتفاق مع الرئيس رجب طيب اردوغان على تدريب ألفي مقاتل من المعارضة السورية “المعتدلة”. وقد أيدت تركيا فكرة قيام معسكر للتدريب ضمن إطار استراتيجية اميركية داعمة للمعارضة السورية التي تحارب النظام السوري وتنظيم “داعش”.

اللقاء الأول بين جو بايدن والمسؤولين الأتراك لم يكن ودياً بسبب الانتقادات اللاذعة التي وجهها نائب الرئيس الاميركي لأردوغان ورئيس الوزراء أحمد داود اوغلو. ذلك أنه إتهمهما علناً بتأمين طرق المرور لمقاتلي “داعش” الذين تقاطروا الى تركيا بهدف الانتقال الى سوريا والعراق. وكانت الغاية من وراء تلك التسهيلات اللوجستية تأمين بيئة حاضنة لقيام مشروع دولة سنيّة تنافس دولة نوري المالكي، الشيعية.

وحرص اوغلو خلال تلك الزيارة، على إطلاع بايدن على هدفَيْن أساسيين تطمح بلاده الى تحقيقهما: الأول: إقامة نظام سياسي جديد في العراق يحرر السنّة من التبعية المذهبية التي يفرضها المالكي على الطوائف الأخرى. والثاني: استعجال إسقاط بشار الأسد، لأن عملية ضرب “داعش” في سوريا، بواسطة الطائرات الاميركية والحليفة، تؤمن للنظام الغطاء الذي يمنع قيام منطقة عازلة داخل سوريا.

وحدث خلال الجلسات الأخيرة التي عقدها اوباما مع أعضاء حكومته، أن سأله وزير الدفاع هيغل عن حقيقة الرسالة التي بعث بها الى المرشد الأعلى. وأجاب الرئيس بالايجاب، لأن خامنئي في نظره هو الشخصية النافذة التي ستتخذ القرار النهائي حول برنامج ايران النووي.

ووصف رئيس البلاد حسن روحاني بأنه إنسان ودود، صاحب الابتسامة الدائمة، ولكنه لا يتمتع بسلطة الحسم حيال القوى المعارِضة مثل “الحرس الثوري” و”فيلق القدس”.

وعندما وصل النقاش الى موضوع المقارنة بين السياسة التي مورست في العراق وسوريا، دافع الرئيس عن موقفه بالقول: كانت الغاية إشعار طهران بأن واشنطن حريصة على عدم المسّ بصديقها بشار الأسد. وأنها مستعدة لاستبعاد حلفائها العرب، والمعارضة السورية، إذا كان الثمن يؤدي الى الحصول على توقيع اتفاق نووي!

وسأله وزير الدفاع: وماذا تجني الولايات المتحدة من وراء كل هذه التنازلات؟

أجاب اوباما: تعزيز الاستقرار في الشرق الأوسط، في حال أعدنا الاعتبار الى ايران، وتعاملنا معها كشريك مُحتَمَل في العراق وسوريا.

ويبدو أن إثارة الموضوع من هذه الزاوية فتح أمام الوزراء باب النقاش على مصراعيه، الأمر الذي أغاظ الرئيس ودفعه الى اتخاذ القرار بضرورة إبعاد وزير الدفاع هيغل.

والمؤكد أن تعهّد اوباما بعدم المسّ بسلطة بشار الأسد قد شجع الحزب الجمهوري على إتهامه باستخدام معيارَيْن، والانحياز الى الطرف السوري. علماً أن الأسد ساهم في إنتصار “داعش” عندما استثناها من ضربات البراميل المتفجرة، وغضّ النظر عن تجاوزاتها ضد “جبهة النصرة”.

وبسبب حساباته الخاطئة، أصبح “داعش” أقوى جبهة معارضة لنظام الأسد. ذلك أنها تفرض سيطرتها على المناطق الشرقية من مدينة حلب، المدينة الكبرى الثانية بعد دمشق. كما تمتد سلطتها الى الريف الشرقي لمحافظة حلب، بالاضافة الى مدن كثيرة مثل: معرّة النعمان وجسر الشغور وأعزاز، والمناطق المتاخمة لتركيا.

في حين تتقاسم “جبهة النصرة” و”الجيش الحر” السيطرة على مناطق شاسعة في ريف حمص وهضبة الجولان ومدينة القنيطرة وريف درعا وريف دمشق والمناطق المحازية للحدود اللبنانية.

حيال تلك التجمعات المسلحة، حاول نظام الأسد تعزيز مواقفه في المدن والقرى المحيطة بدمشق واللاذقية وطرطوس وحماة وحمص كما يسعى الى إبعاد “داعش” عن مطاري الحسكة ودير الزور.

مصادر الكونغرس تشير في هذا السياق الى الضغوط التي مارسها اللوبي الاسرائيلي ضد ادارة اوباما من أجل إبعاد وزير الدفاع تشاك هيغل… والحؤول دون وصول “داعش” أو “جبهة النصرة” الى الحكم في سوريا.

وذكِر في حينه أن اسرائيل بَنت تحفظها عن مهمة وزير الدفاع الذي صرّح، قبل تعيينه، بأن إقامة دولة فلسطينية مستقلة شرط للتسوية السلمية في المنطقة.

وبعد تزايد حدة الحملة السياسية ضده، تراجع عن موقفه السابق، وإدّعى أنه يلتزم سياسة الادارة التي يشترك فيها.

أما بالنسبة الى محاولة تغيير رأس النظام في سوريا، فان المعركة التي شنتها “جبهة النصرة” في الجولان ذكّرت اسرائيل بأن دمشق الأسد حافظت على شروط إتفاق فك الاشتباك منذ سنة 1974، أي منذ وقّع هنري كيسينجر الاتفاق قبل نحو من أربعين سنة. ولهذا السبب، فان مصالحها الأمنية ترتاح الى وجود الأسد على رأس الحكم في سوريا. من هنا القول إن العبارة التي ظهرت في رسالة اوباما الى علي خامنئي لم تكن رسالة تطمين الى ايران بقدر ما كانت رسالة تطمين الى اسرائيل!

يقول الجمهوريون إن سياسة اوباما الخارجية حملت بذور هلاكها منذ إعلان الرئيس الديموقراطي إنهاء الحروب التي افتعلها جورج بوش الابن في العراق وأفغانستان. أو منذ اتخذ قراره بسحب القوات الاميركية من كل المواقع الساخنة.

ويفسر المحللون هذه السياسة المرتجلة بأنها ردود فعل من أول رئيس اميركي أسود، أراد تدشين سياسة خارجية تناقض سلوك الرؤساء البيض. وبحسب تصوره، فان الحروب التي خاضتها قوات الولايات المتحدة كانت من صنع مؤسسات الرجل الأبيض الذي يهمه جني المكاسب والأرباح التي تؤمنها له مصانع الأسلحة.

أي أنه حاول اجتراح حل عنصري لإنهاء الحروب العنصرية.

ولكنه سرعان ما إكتشف أن ايران كانت أول دولة توظف الفراغ الذي أحدثه غياب الحضور الاميركي المسلح لنشر امبراطوريتها على امتداد العالم العربي. كما إكتشف الحزب الديموقراطي أن زرع الموظفين السود في غالبية مؤسسات الدولة قد ساعد على إيقاظ المنظمات العنصرية مثل “كلو كلاكس كلان” وسواها.

وبسبب سوء التقدير، والخلل الذي أحدثه تغييب أكبر دول العالم عن ساحات النزاع، إنتهى سود الولايات المتحدة هذا الأسبوع الى إحراق عشرين مبنى في مدينة “فيرغسون” بسبب مقتل شاب أسود على يدي شرطي أبيض.

ويتوقع المحللون أن تكون السنوات الثماني التي حكم فيها باراك اوباما مجرد فترة انتقالية لاختبار سياسة مشوّشة قد لا تسمح بتكرار انتخاب رئيس أسود مرة أخرى