Site icon IMLebanon

مصير الأسد: شجرة تخفي غابة!؟

 

كان بعض الدبلوماسيين الأوروبيين يرغبون بأن يحقّق «لقاء فيينا 3» تقدّماً ولو محدوداً قبل أن يصطدموا بواقع استحالة وضع الأزمة على سكّة الحل. فهُم تيَقّنوا أنّ الأزمة طويلة جداً باعتراف وزيرَي الخارجية الروسي والأميركي. وبالنظر إلى حجم الخلافات فقد أجمعوا أنّ الخلاف على مصير الرئيس الأسد ليس وحيداً، فهو كـ»الشجرة التي تخفي غابة». كيف ولماذا؟

يقول دبلوماسي رافقَ التحضيرات لمؤتمر «فيينا 3» الذي عُقد السبت الماضي إنّه جاء ترجمةً عملية لمواقف وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف الذي انضمّ الى لائحة المتشائمين بطول الأزمة، وهو كلام لم يفاجئ أحداً.

فمهندس «عاصمة السوخوي» كان واقعياً يعرف ما يمكن ان تقوم به بلاده في المستقبل، بعدما سبَقه كثُر الى مواقف مشابهة وآخرُها اعتراف مدير الاستخبارات الفرنسية برنار باجوليه الذي زاد عليه بوضوح عندما قال حرفياً: «إنّ الشرق الأوسط الذي نَعرفه انتهى الى غير رجعة، وأشكّ بأن يعود مجدّداً»، مؤكّداً «أنّ دولاً مثلَ العراق أو سوريا لن تستعيد أبداً حدودها السابقة».

وهو ما عُدَّ اعترافاً متأخّراً بمضمون تقارير اميركية متشابهة أبرزُها للمدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية مايكل هايدن الذي انتقَد تضاؤلَ الدور الأميركي في الشرق الأوسط، ودعا إدارتها الى مواجهة الحقيقة التي تقول: «إنّ العراق لم يعُد موجودًا ولا سوريا موجودة، ولبنان دولة فاشلة تقريبًا، ومن المرجّح أن تكون ليبيا هكذا أيضًا».

على وقعِ هذه المواقف وما تنمّ عنه من تشاؤم، بدا الخلاف كبيراً بين معسكرَي الأزمة، فلم يَخرج أحد من لقاء فيينا متفائلاً، وراح البعض يكيل الاتّهامات للآخرين، ما قلّلَ من أهمّية المهلة القصيرة التي أعطيَت للوسيط الأممي ستيفان دوميستورا لترتيب وفد المعارضة السورية وتنظيمه لتمثيل مختلف الأطراف وسط خلاف كبير بين القوّتين العظميين، الروسية التي وضَعت الجميع على لائحة الإرهاب دون استثناء، والأميركية التي جهدَت لتوسيع التمثيل المعارض بشكل وصِف بأنّه فضفاض.

وما بين هاتين النظريتين وقفَت أوروبا مذهولةً أمام حجم العمليات الإرهابية التي ضربَت باريس، في وقتٍ كشفَت فيه دوَل أوروبية أخرى عن تفكيك شبكات مماثلة كتلك التي شهدتها باريس إنْ لم تكن أكثرَ إيلاماً. وهو ما دفعَها إلى التمايز عن موسكو وواشنطن دون أن تشكّل بديلاً يساوي الدور والقدرات المجنّدة في المسألة السورية عسكرياً ودبلوماسياً.

وعلى هذه الخلفيات، وفي موازة النقاش حول المرحلة الانتقالية في سوريا تشعّبَت المفاوضات وشهدَت أروقة المؤتمر لقاءات جانبية للتداول في ما هو أبعد من المعلن عنه من خطوات ليس من السهل تطبيقُها. ولم يقِف الأمر عند اللقاء بين الرئيسين الأميركي والروسي باراك اوباما وفلاديمير بوتين، فقد كانت هناك لقاءات سعودية تركية وأميركية تحدّثَت عن المرحلة المقبلة على أساس أنّ وقف النار المنتظر بَعيدُ المنال، وأنّ العمليات على الأرض هي التي ستفرض شكلَ الخطوات المقبلة وحصصَ الأطراف المتشعّبة مالياً واقتصادياً ونفطياً في ظلّ مواجهة معلنة مع طهران قبل موسكو، وهي التي ستنعكس على العلاقات الروسية – الغربية إذا ما بقيَت روسيا على موقفها عشية الزيارة المرتقَبة لرئيسها إلى طهران للمرّة الأولى منذ العام 2007.

وكشفَت التقارير أنّ التفاهمات الجانبية التي تحقّقت عبّرَت عن النية بإدارة المرحلة ما دامَ تجاوزها أمراً صعباً. فلا نتائج عملية توحي بإمكان استئناف الحوار بين النظام ومعارضية كما تقول الدعوات الى تركِ الأمر للسوريين أنفسِهم لرسم مستقبل بلادهم، لِما في هذا الكلام من «شعر وأدب عربي» في وقتٍ يتبادل السوريون المكائدَ وينصبون العَداء بعضهم لبعض في مرحلة أنعشَت فيها «عاصفة السوخوي» النظامَ ومدَّته بكلّ وسائل القوّة وسَمحت للقوى المساندة له بالعمل دون خطوط حمر بمجرّد اعتراف الروس عبر إعلان نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، أنّ بلاده لا تَعتبر «حزب الله» منظّمة إرهابية، كاشفاً عن قنوات اتصال وعلاقات مع الحزب الذي يمثّل «قوّة اجتماعية سياسية تتحلّى بالشرعية».

واضحٌ جداً للمتابعين أنّ الكلام الروسي جاء بعد وضع وزير الخارجية السعودي عادل جبير «حزب الله» ومعه الوحدات الإيرانية والعراقية وغيرها من الأجانب في خانة التنظيمات الإرهابية، خلال مداخلته في المؤتمر مجدِّداً الدعوةَ إلى تنَحّي الأسد أوّلاً. على وقع مواقف اميركية وتركية وخليجية أخرى مماثلة، ما عُدَّ مواجهةً بالإنابة بين معسكرَي روسيا وإيران من جهة والحلف الدولي من جهة أخرى.

وما بين الموقفين ثمَّة مراجع دبلوماسية تدرك أنّ المفاوضات الجانبية هي التي ستحكم المرحلة المقبلة بكلّ مظاهرها العسكرية والدبلوماسية والاقتصادية، وهي متشعّبة إلى درجة يمكن معها القول صراحة إنّ الخلاف على مصير الرئيس الأسد لم يعُد كما كان يَعتقد البعض وحيداً، فهو «كالشجرة التي تخفي وراءها غابة» من الخلافات.