IMLebanon

خيارات الأسد صعبة وبقاؤه يعني أفغانستان ثانية!

 

لا أسوأ ولا أخطر من أنْ يعتبر البعض أمانيهم وتطلعاتهم حقائق، فالقول «إن الحرب في سوريا قد وضعت أوزارها، وأن الأمور قد عادت إلى ما كانت عليه قبل عام 2011، وأنَّ هذا النظام قد انتصر، وأن شعار (الأسد إلى الأبد) قد تحقق» هو مجرد أمانيّ كاذبة بعيدة عن الواقع القائم بُعد السماء عن الأرض، وهو أيضاً بالإمكان وصفه بأنه مجرد نظرات حولاء لا ترى الأشياء، كما هي، وحيث إن واقع هذا البلد قد أصبح بعد نحو 8 سنوات أسوأ كثيراً مما كان عليه قبلها عندما انطلقت شرارة هذه الثورة، التي من المبكر جداً وصفها بأنها غدت «مغدورة»، وفقاً لتلك البداية المعروفة.

كيف من الممكن تصديق أن نظام بشار الأسد قد انتصر، وأن الحرب قد وضعت أوزارها، وأن الأمور في سوريا قد عادت إلى ما كانت عليه، بينما لا يزال حتى تنظيم «داعش» يفعل كل هذا الذي يفعله وله قواعد على بعد مرمى حجر، كما يقال، من العاصمة دمشق، والأهم بينما لا يزال هذا البلد ممزقاً، وحيث إن هناك مناطق رئيسية تسيطر عليها القوات الأميركية ومناطق تديرها تنظيمات ما يسمى «سوريا الديمقراطية» ومناطق رئيسية في ريف حماة وفي إدلب يسيطر عليها «الجيش الحر» والعديد من فصائل المعارضة المعتدلة منها والمتطرفة؟!

إن سوريا المقطعة أوصالها تخضع الآن لانتداب روسي تحكمه «معاهدة» لا تنتهي قبل نهاية هذا القرن، القرن الحادي والعشرين، وهذا أكده الروس، وعلى ألسنة عدد من كبار مسؤوليهم، من بينهم الرئيس فلاديمير بوتين نفسه، كما أكده بشار الأسد الذي من قبيل طرد الكثير من المخاوف المستبدة به قد قال ليس على استحياء وإنما بتفاخر أهوج أن القوات الروسية باقية في «بلده»!! وأن وجودها سيستمر طويلاً… أي حتى نهايات هذا القرن… القرن الحادي والعشرين.

ثم والمعروف أيضاً أن الوجود الاحتلالي الإيراني لـ«القطر العربي السوري» لا يزال، ورغم كل ما يقال، في ذروته، وأن هناك بالإضافة إلى هذا كله «مستوطنات» إيرانية وأفغانية طائفية ومذهبية على غرار المستوطنات الإسرائيلية في فلسطين (الضفة الغربية) وفي الجولان، بل حتى في دمشق، العاصمة الأموية نفسها، وحتى في المناطق المتاخمة للحدود اللبنانية التي هي جزء رئيسي وأساسي ممّا قال عنه بشار الأسد إنه «سوريا المفيدة» التي جرى تفريغها من سكانها وأهلها الأساسيين، أي من المسلمين «السنة» الذي يشكلون في المناطق السورية كلها نسبة نحو 70 في المائة من السكان.

وأيضاً كيف يمكن القول إن «الحرب قد وضعت أوزارها»، بينما لا يزال هذا البلد بمعظم مدنه وقراه مهدماً على عروشه، وبينما إعادة بنائه تحتاج إلى مئات المليارات من الدولارات التي لم يتوفر منها حتى الآن ولو دولار واحد، وبينما لا يزال أكثر من سبعة ملايين، كلهم من الطائفة السنية، لاجئين في العديد من الدول البعيدة والقريبة؛ معظمهم، إنْ ليس كلهم، لا يطمئنون لنوايا هذا النظام المستبد والطائفي، الذي كان ارتكب مجازر مرعبة بحق أبناء الشعب السوري خلال سنوات حكمه الطويلة… ومدينة حماة تشهد على هذا.

تجدر الإشارة هنا إلى أن صحيفة «سفابودينا براسا» الإلكترونية الروسية كانت قد نشرت تقريراً مثيراً قبل أيام قليلة، أعادت نشره صحيفة «الشرق الأوسط» جريدة العرب الدولية، جاء فيه «إن سوريا تتخبط في وضع لم تعهده من قبل، وإنها قد تحولت إلى ثلاثة أجزاء تقع تحت سيطرة جهات مختلفة، ما يعني أنها ذاهبة إلى التقسيم، وإن إصرار الرئيس بشار الأسد على الاستمرار بالتمسك بموقعه (قد)!! يؤدي إلى تحويل هذا البلد إلى أفغانستان جديدة».

وقالت هذه الصحيفة «رغم أن العادة قد جرت ألا تتناول الصحف الروسية الملفات المتباينة مع الخط السياسي الذي يعلنه الكرملين، فإن الأسد أصبح يسيطر على الجزء الأكبر من الأراضي السورية، بينما تسيطر (وحدات حماية الشعب) الكردية على الجزء الثاني، أما الجزء الثالث (إدلب) وبعض مناطق حلب وحماة فيقع تحت قبضة تركيا بمساعدة حلفائها داخل سوريا… بما في ذلك (الجيش السوري الحر)»، وهنا، وهذا ليس من كلام هذه الصحيفة المشار إليها آنفاً، فإن عدد هذا الجيش الذي جرى توحيده مؤخراً تحت اسم «جيش الفتح» يقدر بأكثر من سبعين ألفاً، وأنه مزود أيضاً بالأسلحة الثقيلة وبالصواريخ. ويقال إن بعض فصائله تمتلك بعض الدبابات والدروع والآليات الثقيلة.

وأضافت أن الأسد وجد نفسه أمام خيار في غاية الصعوبة يتمثل في ضرورة طرد الأطراف الأجنبية، التي أقحمت نفسها في الشؤون السورية، وحيث يعتبر التخلي من قبله عن المعركة بمثابة الاعتراف بعدم جدارته وفشله في انتشال سوريا من أزمتها وتحقيق الاستقرار. لكنها، أي هذه الصحيفة، أشارت إلى أن عدم إقرار الرئيس السوري واعترافه بصعوبة فرص استمراره بالحكم وبرئاسة هذا البلد من المرجح أن يهدد الوحدة الإقليمية، ويؤدي لظهور دولة ضعيفة وفقيرة، خصوصاً في ظل سيطرة الكرد على أكبر موارد النفط السورية.

وقالت هذه الصحيفة الروسية أيضاً إن استمرار الأسد في خوض هذه الحرب، وعدم تخليه عن السلطة، سيؤدي إلى تحويل سوريا إلى أفغانستان ثانية… إن استمرار هذه الحرب وتواصلها في ظل الظروف الراهنة من ضمن الأمور التي تهدده، أي تهدد الرئيس السوري، والتي تنذر بهزيمته… علماً بأن قوته الرئيسية متأتية من مساعدة روسيا له، هذا بالإضافة إلى مساهمة المستشارين الروس المختصين في تقديم التوجيهات العسكرية والدبلوماسية.

وانتهت هذه الصحيفة، التي يقال إنها مقربة من دوائر صنع القرار في موسكو، إلى القول إن «روسيا قد تنسحب من هذه الحرب التي لا نهاية لها، بينما ولأسباب أمنية فإن تركيا ستضطر للبقاء، نظراً لأن سوريا بلد مجاور، ستؤثر أحداثه بشكل كبير عليها، مما قد يستوجب البقاء في هذا البلد لسنوات طويلة».

وعليه فإنه معروف أن الأسد عندما انطلقت من درعا شرارة هذه الثورة، التي لا تزال متواصلة، في مارس (آذار) عام 2011، كان يعتبر أنه في كامل لياقته العسكرية والأمنية، وأنه تمكن من استعادة نفوذه في لبنان المجاور الذي كان قد خسره بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري في عام 2005، وإنهاء وجوده العسكري هناك خلال أيام قليلة، تحت وطأة ضغط دولي، في مقدمته ضغط الولايات المتحدة. والمعروف أن روسيا في تلك المرحلة كانت في أسوأ أوضاعها العسكرية والاقتصادية، وإلى حدِّ أنها لم تستطع تقديم أي عون له، ولو في الحدود الدنيا من النصائح السياسية.

لكن وبعد نحو ثمانية أعوام من انطلاق هذه الثورة، التي تآمرت عليها أطراف كثيرة، وخذلها بعض الذين كانوا يُعتبرون من مؤازريها، وأن انتصارها في مصلحتهم، فإن الأمور قد تغيرت كثيراً، وبشار الأسد لم يعد يملك القوة الذاتية التي كان يملكها قبل نحو ثمانية أعوام، وحلفاءه الروس والإيرانيين قد أصبحوا في غاية الإنهاك، والإيرانيين تحديداً يتعرضون لضغط إسرائيلي بمساندة أميركية وموافقة روسية على الانسحاب من هذا البلد الذي أصبح ساحة تقاطع رماح كثيرة.

وهكذا وخلافاً للذين يغلبون رغباتهم على واقع الأمور، ويدّعون أن هذه الحرب قد وضعت أوزارها، وأن كل شيء قد انتهى، و«أن الأسد إلى الأبد»، فإنَّ ما يجب أن يأخذه هؤلاء وغيرهم بعين الاعتبار هو أنه لا يزال هناك جمر متقد ومتوهج تحت رماد هذه الأزمة، وأن المتدخلين من الخارج كثر، وإنه لا هدوء ولا استقرار في هذا البلد الذي غدا ممزقاً ومدمراً ومحتلاً إلا بتطبيق حل «جنيف1» والقرار 2254، وبالمرحلة الانتقالية التي تمهد لانتخابات نزيهة بإشراف دولي تؤدي إلى نظام ديمقراطي ودولة غير هذه الدولة القمعية «الإسبارطية»!!

إن الروس، ورغم أنهم أصبحوا منتدبين على هذا البلد حتى نهايات القرن الحالي، يعرفون أن عودة أوضاع ما قبل مارس عام 2011 غير ممكنة، على الإطلاق، وأنه لا بد من التغيير على أساس ما تم الاتفاق عليه دولياًّ، وبالتالي فإنه يمكن الإبقاء على بشار الأسد حتى نهاية ولايته الحالية، لكنه من غير الممكن إدارة الظهر لكل هذه المستجدات ولكل هذه الحقائق التي تجسدت على الأرض، وأن سوريا الموحدة لا يمكن الحفاظ عليها إلاّ برحيل هذا النظام واستبداله بالانتخابات الديمقراطية بنظام عصري يكون لمكونات الشعب السورية كله بكل فئاته وأعراقه ومذاهبه وطوائفه.