تطرح التطورات الداخلية الجارية في سوريا، وكذلك السياسة الاقليمية والدولية المحيطة بسوريا، تحديات جدية على نظام الاسد. ففي الشمال والوسط وجنوب البلاد، لحقت الهزائم العسكرية بقوات الاسد وحلفائه من الايرانيين وميليشيات حزب الله وغيرهم، الامر الذي فاقم ازمة النظام، وضرب صلب مؤسسته الامنية – العسكرية، وقد باتت بفعل هزائمها، والصراعات والتصفيات في داخلها، اقل قدرة على الصمود، بعد ان يئست من الانتصار، كما هزت بعنف قاعدة النظام من الموالين والمؤيدين، وقد صارت مناطق تواجدهم وعيشهم على خط المواجهات، وصار قتلاهم في كل بيت، نتيجة انخراطهم في مناصرة نظام قاتل، لا يفتح مستقبله الا على بوابة الهزائم بانتظار السقوط، ولا شيء غيره.
ولا تختلف التطورات السياسية المحيطة بالنظام كثيراً عن محتوى التطورات الداخلية. ففي المحيط الاقليمي والدولي، تغييرات باتجاه مواقف اكثر جذرية من النظام ورئيسه. فثمة تحالف يتعزز، يجمع دول الخليج العربية وتركيا، وتتجه مصر للانضمام اليه، حاملاً رؤية ان لا مستقبل للأسد في سوريا، وان الخيارات مفتوحة في التعامل معه من الناحيتين السياسية والعسكرية وخاصة لجهة تأمين مناطق محمية من طيران النظام وبراميله المتفجرة، وتأمين دعم سياسي ومادي لقوى المعارضة بما فيها التشكيلات المسلحة، بالتزامن مع تحرك سياسي دولي اساسه وضع حد لسياسات ووجود نظام الاسد، ودفعه خارج مستقبل سوريا.
حلفاء النظام من روسيا وايران والميليشيات بمن فيهم حزب الله، ليسوا بعيدين عن التطورات المحيطة. روسيا فشلت في ترويج النظام لدى المجتمع الدولي من بوابة الحرب على ارهاب «داعش«، كما فشلت في خرق المعارضة، واخذها الى حل يستجيب لمصالح النظام رغم هشاشة وضعف الاخيرة، وظروفها الاقليمية والدولية السيئة، وهو ما يتزامن مع تعرض موسكو لضغوطات غربية وعربية من اجل تغيير ما في سياساتها حيال القضية السورية، وايران صارت في دائرة الاستهداف الاقليمي بفعل سياساتها في المنطقة ومنها مواقفها في مناصرة نظام الاسد ودعمه سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، فيما يتعمق مأزق النظام الداخلي وازماته البنيوية، وحزب الله اللبناني الذي وضعه زعيمه في قلب المحرقة السورية، صار بين سندان الداخل اللبناني ومطرقة المواجهة مع الفصائل المسلحة للمعارضة السورية في القلمون، ساعياً لاستنساخ تجربة الحشد الشعبي العراقية في لبنان في خطوة تدل على يأسه القاتل من نصر يحققه في القلمون وعرسال، فيما تدور أحاديث عن بحث طهران في مستقبل زعيم الحزب حسن نصرالله لإخراج وجودها وميليشياتها في لبنان من مصير محتوم.
وسط تلك اللوحة المعقدة من التحديات، التي تواجه نظام الاسد في دمشق، ينشغل رأس النظام ومعاونوه، والطاقم المحيط بمواجهة هذه التحديات سواء في المستوى السياسي او في المستوى الامني العسكري، وفي علاقة الاثنين ببعضهما.
في المستوى السياسي، رشحت معلومات من قلب النظام عن توجهه للتعاطي مع نصيحة اسرائيلية – غربية اساسها فكرة «سوريا المفيدة« القائمة على مركزة وجود النظام في حيز جغرافي سياسي، يوفر له امكانيات البقاء الى جانب القدرة على سيطرة مستقبلية على جزء من البلاد، شاملاً كل من حمص وحماه اضافة الى طرطوس واللاذقية، اذا تعذر بقاء دمشق فيه، ويضم هذا الجزء القدر الاكبر من المؤيدين كما يسود الاعتقاد، وتتمركز فيه غالب قواته الامنية والعسكرية وميليشياته، وله تماس مع لبنان بما في الاخير من حلفاء، ومفتوح على البحر المتوسط، لتلقي الدعم الروسي – الايراني، وكلها عوامل تسمح بالدفاع عنه لوقت طويل.
خيار «سوريا المفيدة« او ما هو قريب منه، يبدو هو الخيار الاقرب الى فريق قصر المهاجرين في ضوء تراجع قوة النظام وانهيار معنويات حاضنته، وعدم مقدرة حلفائه على تقديم مزيد من الدعم الذي يمكن ان يقلب التغييرات الميدانية الاخيرة، الامر الذي يرسم خطوات النظام في مسارين متكاملين، اولهما مسار اعادة تجميع قواته في المناطق الرئيسية، ولا سيما في الساحل ودمشق اضافة الى حمص وحماة، والثاني انشاء قوى تطوعية جديدة على نحو ما يتم القيام به في الساحل السوري، لانشاء لواء درع الساحل بهدف استيعاب العناصر غير المشمولة بالتجنيد في المؤسسة العسكرية – الامنية الرسمية، والهدف الاساسي للخطوتين تعزيز خطوط الدفاع عن هذه المناطق عسكرياً وبشرياً، وجعلها مناطق عصية على الخرق.
غير ان هذه الخيارات تبدو غير كافية لطمأنة قلب النظام في قصر المهاجرين، الامر الذي يجعله لا يسقط خياراً آخراً، وهو الاعتماد اكثر على القوة المباشرة لحلفائه في الامساك بالارض، ومن ذلك استمراره في الاعتماد على المليشيات الوافدة من العراق وافغانستان وايران وغيرها في تأمين المناطق التي ما زال يسيطر عليها، ثم استدعائه المزيد من ميليشيات حزب الله للقتال معه وبخاصة في القلمون، والتوجه لزيادة الوجود العسكري الايراني وميليشيات الحشد الشعبي العراقية في سوريا، وآخرها دعوة روسيا لارسال قواتها الجوية للمشاركة في حرب النظام تحت حجة ضرب «داعش«، التي ظهرت في جريدة الوطن الصادرة في دمشق، والتي يملكها رامي مخلوف ابن خال الاسد، ويرأس تحريرها وضاح عبد ربه احد المقربين من الاسد.
ما يجري في سوريا وحولها، لا يترك ظلاله الحقيقية في قصر المهاجرين، بحيث يجعل اركان القصر، يدققون فيما يجري حولهم، انما على العكس من ذلك، يدفعهم للاصرار على المضي الى الابعد في سياساتهم وممارساتهم، والمضي الى مراحل أكثر خطراً على سوريا والسوريين، الامر الذي يعني افتقادهم الى أي حس في التعامل مع المحيط، سوى الاصرار على الاحتفاظ بالسلطة تحت أي ظرف كان، ولا همَّ آخر.