IMLebanon

نظام الأسد يحاول تحويل السويداء إلى «كوباني جديدة»!

جنبلاط والمجلس الدرزي أمام اختبار صعب لحماية التعايش بين جبل العرب والثورة السورية

نظام الأسد يحاول تحويل السويداء إلى «كوباني جديدة»!

بمساع من التقدمي نجحت الاتصالات في الأردن بتثبيت تفاهمات بين الدروز والفصائل السورية قبل حادثة قلب لوزة

ما حصل في بلدة «قلب لوزة» في جبل السماق، في محافظة ريف إدلب السورية، من اشتباك بين عناصر من «جبهة النصرة» وعدد من الأهالي الدروز على خلفية مُصادرة منزل لأحد المواطنين بحجة انتمائه إلى جيش النظام، والذي أدى إلى سقوط العشرات من أهالي البلدة، ضاعف من المخاوف والهواجس التي تعتري حال الدروز في محافظة السويداء التي تعيش راهناً تطورات متسارعة مع تهاوي النظام في الجبهة الجنوبية.

وإذا كانت حادثة «قلب لوزة»، المشبوهة في توقيتها ومسببها (أبو عبد الرحمن التونسي الذي تصفه بعض فصائل المعارضة السورية بداعشي يخترق جبهة النصرة)، فإنها ألقت بظلالها على الواقع المأزوم والتحدّيات التي تواجه دروز جبل العرب، على الرغم من أن دروز إدلب نجحوا خلال الفترة الماضية في صوغ تفاهمات آلت إلى «التعايش» تحت سلطة «جبهة النصرة»، إلى حين جلاء الاتجاهات التي سترسو عليها التسويات المستقبلية لسوريا، كما نجح دروز السويداء في عقد اتفاقات، والتوصل إلى تعهدات، مع جيرانهم أبناء درعا، التي انطلقت منها شرارة الثورة السورية في آذار 2011، ونجحت فصائل «الجبهة الجنوبية»، التي يشكل الجيش السوري الحر أبرز مكوناتها، في ضمان تلك التعهدات، لا سيما أن «جبهة النصرة» في المنطقة الجنوبية ليست الفصيل ذات الوزن المؤثر في لعبة التوازنات بين الفصائل السورية المعارضة. وأسهمت آنذاك حركة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط ، الذي ناصر الثورة السورية منذ انطلاقتها، في تثبيت التعهدات والاتفاقات من خلال اتصالاته الإقليمية مع الجهات الفاعلة ضمن الثورة، وفي مدّ أواصر العلاقة المتينة مع مكوّنات «الجبهة الجنوبية» التي يشكل الأردن عمقها الاستراتيجي واللوجستي وتواجدها السياسي والقيادي.

على أن تسارع الأحداث في محافظة درعا، والتي كان آخرها سقوط «اللواء 52»، الذي يُعتبر من أكبر الألوية وأحدثها تسليحاً، بيد فصائل المعارضة في «الجبهة الجنوبية» شكل نقطة تحوّل في مسار الثورة، وفتح الباب أمام استكمال تحرير المحافظة بالكامل، واتجاه تلك الفصائل لخوض معركة إسقاط مطار «الثعلة» الواقع في منطقة السويداء، والذي انتقلت إليه بعض قوات النظام مع أسلحتها، وهي معركة، في رأي متابعين لمجريات الأمور، لن يكون حسمها سريعاً نظراً إلى أن المطار مُحصّن ومُدجج بالأسلحة الثقيلة.

المخاطر على السويداء تنطلق من موقعها الجغرافي، إذ أنها باتت محاصرة لجهة طرق الإمداد التي لم يعد لديها سوى منفذ واحد، عبر بلدة أذرع، والنظام المتواجد في المحافظة يعمل، وفق قراءة متابعين عن كثب، إلى ابتزاز أبنائها عبر محاولات سحب الأسلحة الثقيلة تمهيداً لانسحابه، تاركاً أهلها لمواجهة مصيرهم المجهول، مع فتحه الطريق لـ «تنظيم الدولة الإسلامية» من شرق البادية باتجاه الجنوب عبر الصفا البركانية، وصولاً إلى مشارف السويداء، وهو الواقع الذي عبّر عنه قائد جيش اليرموك بشار الزعبي حين اعتبر ان السويداء أضحت اليوم بين «فكي كماشة الثوار من الجهة الشرقية وداعش من الجهة الشمالية بعدما قام النظام بتسهيل وصول بعض مقاتلي داعش إلى تخوم السويداء بهدف تحويل المنطقة إلى «كوباني» جديدة تستجلب العالم للدفاع عنها، فيما يُظهر الأسد نفسه حامياً للأقليات، بينما سيكون الخاسر في هذه المعركة السويداء وأهلها إذا ما ساروا خلف الأسد ومخططاته».

إزاء التحولات الجارية، فإن ثمة اقتناعاً راسخاً لدى القيادات الدرزية الفاعلية، ومن بينها جنبلاط، ولدى القيادات السياسية والعسكرية في المعارضة أن تجنيب السويداء والدروز لا يمكن أن يحصل إلا عبر خطوات سياسية وحكيمة تتعدّى التفاهمات الآنية إلى مواقف حاسمة تؤول لترسيخ عوامل الثقة والتفاهم بين جبل الدروز ومحيطه ذات العمق العربي، ذلك أن البدائل عن بناء جسور الثقة والتوصل الى تفاهمات راسخة تضمن خصوصية تلك المنطقة ومكونها الدرزي، لن تكون سوى الدخول في دوّامة من النزاعات والصراعات والحروب المدمرة.

ويذهب مقربون من الجبهة الجنوبية للجيش الحر إلى الاعتقاد بأن إمكانية إدارة العلاقة بشكل سليم مع أبناء الجبل هي إمكانية متوافرة اليوم أكثر من أي وقت مضى، وفرصة مؤاتية مع انكشاف حال الاهتراء التي وصل إليها النظام، وإن كان ثمة قلق كبير من إقدام النظام عبر موالين له إلى إحداث فتن وتأجيج الصراع قبل إنجاز التسويات السياسية.

ووفق هؤلاء، فإن كثيراً من الدروز رفعوا لواء الثورة باكراً، سواء على مستوى النخب والناشطين أو على مستوى المقاتلين الذين التحقوا بالجيش السوري الحر، وآلت بهم الظروف إلى الانتقال للخارج والإقامة المؤقتة في الأردن، وهم بالتالي يمكنهم اليوم أن يلعبوا دوراً إيجابياً في حماية جبل العرب.

ويعوّل هؤلاء على موقع جنبلاط بما يشكله من عامل ثقة لدى الثوار، ومن قدرة على التحرّك مع القوى الإقليمية الفاعلة والمؤثرة من أجل ضمان سلامة أبناء القرى الدرزية وترسيخ صفحة المصالحات بين السويداء وجيرانها، وإعادة تعزيز الترابط مع المعارضة السورية، ضمن احترام الخصوصية الدرزية.

ويأتي اللقاء الذي دعا إليه المجلس الدرزي اليوم، بدفع من جنبلاط، والذي سيشارك فيه مشايخ ورجال دين وشخصيات وفاعليات ليشكل ترسيخاً لمنحى التوافقات السياسية بعيداً عن الضجيج الداعي إلى تحويل الدروز وقوداً للنظام في حربه التي خرّبت النسيج السوري ووحدته.

المسؤولية كبيرة وتاريخية، على أن الحركة التي يقودها جنبلاط   في اتجاه الداخل السوري والخارج، ومعه الفاعليات الدرزية السورية، هي أمام اختبار صعب، لا بل مفصلي، حول ما إذا كانت ستجنّب الدروز دفع ضريبة كبرى في النزاع السوري، وإن كان الرهان على التحرّك الإقليمي كبير جداً.