لا حرج عند الرئيس السوري بشار الأسد في القول إن «حمام الدم لن يتوقف»… كأنه يتحدث عن «حمام الهنا» الذي تشتهر به الأحياء الدمشقية والحلبية… طبعاً هو برر ذلك بأنه لن يتوقف عن محاربة الإرهاب.
لم يختلف خطاب الأسد الأخير عن خطاباته السابقة. إنكار كامل للواقع واسترسال في تجاهل وجود معارضين لنظامه المستبد، عبر وصمهم جميعاً من دون استثناء بـ «الإرهاب» الذي يريد «اقتلاع جذوره»، فضلاً عن مساواته الرافضين حكمه العائلي وبطشه، بـ «داعش» وسائر التنظيمات الإرهابية. الإنكار يبلغ درجة تجاهل وجود الخصوم الفعليين في الداخل عندما يقول «لم نرَ أطرافاً أخرى … لا يوجد أطراف أخرى»، في حديثه عن وفد المعارضة في مفاوضات جنيف – 3 التي أفشلتها براميله المتفجرة ومحاولة جيشه مع الإيرانيين السيطرة على حلب منذ سريان الهدنة أواخر شباط (فبراير) الماضي.
لا جديد في وصف الأسد معارضيه بالخونة، ورفضه «المرحلة الانتقالية» وفق جنيف 2012 ومفهومه لها. فوفق خطته للحل، يطلب استسلام المعارضة، وصولاً إلى مؤتمر وطني للحوار. الجديد أنه ينسف جنيف – 3 وكل المحاولات الروسية – الأميركية لإحيائه، ويتحدث عن أن سورية «لا ترضى الخنوع ولا تقبل الوصاية»، مقرناً ذلك بالإصرار على تحرير حلب وعلى استعادة كل شبر من سورية من الفصائل المعارضة. لكن المضحك في هذا الجديد هو رفضه «الوصاية»، في وقت تجتاح الجيوش بلاده من كل حدب وصوب، والميليشيات المتعددة الجنسيات المستقدمة من إيران، من دون أن ننسى تلك المنضوية تحت لواء «داعش»، وتحول بلاد الشام إلى ملعب عالمي للحروب بالواسطة، نتيجة تمسكه بالتفرد بالحكم، واستدعائه كل أنواع الدعم الخارجي إلى الأرض السورية، منذ تعامل مع تظاهرات الاحتجاج السلمية بالبطش والمجازر والقهر، ثم تعاظم احتلالات الدول الساعية إلى موطئ قدم في سورية، للدفاع عنه، عندما اقتربت المعارضة من دمشق.
مهزلة الاعتداد بالوطنية السورية في خطاب الأسد في ظل مسؤوليته عن استباحة بلاده من الخارج، تطرح الأسئلة عما يقف وراء توعده بتحرير كل شبر وجعل حلب «مقبرة» للرئيس التركي رجب طيب أردوغان. هل أن اشتراك الجنود الأميركيين مع الميليشيات الكردية و»جيش سورية الديموقراطية»، في تحرير منبج من «داعش»، (انضم إليهم خبراء فرنسيون) والجنود البريطانيين في تأمين الحدود الشرقية مع العراق (عبر إنشاء «جيش سورية الجديدة») في مواجهة التنظيم، والدور التركي على الحدود، أخذا يشعرانه بأن ورقة محاربة الإرهاب التي يراهن على أن تبقيه في الحكم طالما لها أولوية على إزاحته عند المجتمع الدولي، باتت في يد الدول والفصائل التي تساندها؟ وهل أن الإصرار على «السيادة» ناجم عن إحساسه بأن قضم هذه الدول الأرض من «داعش» يفقده الدور الذي اصطنعته له إيران وروسيا تحت عنوان محاربة الإرهاب، لإبقائه في الحكم، فتبطل هذه الحجة بعد التخلص من «داعش»؟ والأسد والمحيطون به غضبوا لمشروع الدستور الذي وضعت روسيا مسودته، مستبقة الاتفاق مع واشنطن على وجوب التوصل إليه في آب (أغسطس) المقبل، والذي يحوي توزيعاً جديداً للسلطة، ونظاماً فيديرالياً، رفضته القيادة الأسدية؟
الوجه الآخر للسؤال عما إذا كان تبجح الأسد بقوة غيره ضد خصومه، قد يكون في مراهنته على أن يقود تصاعد الصراع الروسي – الأميركي على أوروبا الشرقية والذي أخذ بعداً جديداً مع تعزيزات حلف الناتو في دول البلطيق ومناورات القوات الأميركية مع 20 دولة في بولندا، إلى اتجاه موسكو للرد في سورية، بالتصعيد العسكري ضد المعارضة، وإمكان أن يشمل ذلك حلب. فبإسم السيادة سبق للأسد أن وقّع الصيف الماضي مع موسكو المعاهدة التي تجيز لقوات القيصر استباحة سورية لسنوات، بحيث تحوّلت قاعدة حميميم إلى مرجعية الجيش السوري، وبديلاً لدمشق في القرارات حول الهدنة ووقف النار أو استئنافه… فهو سلّم أمره لموسكو وقبلها لطهران.
إذا صح هذا التفسير لخلفية تهديدات الأسد، يقتضي انتظار مفاعيل الاجتماع التنسيقي الذي عقد أمس بين وزراء الدفاع الروسي والإيراني والسوري في طهران، ليتبين ما إذا كان الثلاثي يتجه إلى تعزيز أوراقه الإقليمية، ومنها في سورية، خلال الأشهر الفاصلة قبل قيام الإدارة الأميركية الجديدة مطلع العام المقبل.
ثمة من يعتقد بأن الأسد أخذ يطمئن إلى مصيره، ويوزع التهديدات نتيجة التقارب الروسي – الإسرائيلي الذي توّجه بنيامين نتانياهو قبل يومين، خلال زيارته موسكو، بالقول إن مسألة بقاء الأسد في السلطة «ثانوية». فلطالما كانت روسيا صلة الوصل بينه وبين تل أبيب.