توجس تركي.. وانكفاء قطري.. والرهان اللبناني مستمر
«ميدان عرسال»: الجيش يعزّز «أوراق التفاوض»
لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم الخامس والعشرين بعد المئة على التوالي.
تداخلت ملفات العسكريين المخطوفين والاجراءات العسكرية في عرسال وطرابلس وقضية النازحين السوريين، وكان لافتا للانتباه تعامل الجيش اللبناني مع قضية الأمن في عرسال وجرودها في الساعات الماضية، ليتقاطع مع إبداء دول كبرى وعواصم إقليمية استعدادها لتزويد المؤسسة العسكرية اللبنانية بكل ما تحتاجه في مواجهة الارهاب التكفيري، سواء عند الحدود أو في الداخل اللبناني.
وفيما استمر أهالي العسكريين المخطوفين في اعتصامهم المفتوح منذ اسبوع في القلمون عند مدخل طرابلس الجنوبي، وعلى طريق ضهر البيدر الحيوي لليوم الثاني على التوالي، تحرك الوزير وائل أبو فاعور بتكليف من النائب وليد جنبلاط باتجاه الأهالي لفتح طريق بيروت ـ دمشق، واتصل لهذه الغاية بحمزة حمص والد العسكري المختطف وائل حمص. وكاد هذا المسعى ينجح بعد أن توافق الأهالي بداية على فتح الطريق عند الساعة السادسة من مساء أمس، إلا أن تراجعهم المفاجئ عن قرارهم أعاد الأمور إلى نقطة الصفر، في انتظار لقائهم مع ابو فاعور عند الحادية عشرة من قبل ظهر اليوم في راشيا.
وقد طالب الأهالي، قبل فتح الطريق، بالحصول على ضمانات جدية تؤدي الى اطلاق عملية التفاوض والمقايضة بسرعة، حتى لا يخسروا المزيد من أبنائهم، ورد أبو فاعور بان الحكومة قررت تسريع وتيرة التفاوض وأن رئيس الحكومة تمام سلام جعل قضية العسكريين اولوية لبنانية في اجتماعات نيويورك.
أنقرة: لا وساطة
في هذه الأثناء، علمت «السفير» أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أبلغ الحكومة اللبنانية أن أنقرة ليست في وارد أن تكون وسيطا في قضية العسكريين «لأن الوضع مختلف عن قضية اللبنانيين في أعزاز أو قضية راهبات معلولا»، ونفى وجود أي اتصال بين المخابرات التركية وبين أي من قيادات تنظيمي «داعش» و«النصرة»..
وقالت مصادر وزارية لبنانية معنية ان «الأتراك عبروا هذه المرة عن حساسية فائقة في التعامل مع ملف العسكريين، بسبب ما كانوا تعرضوا له من خطف لطيارين ومواطنين أتراك في لبنان سابقا على خلفية قضية أعزاز، فضلا عن التعرض للمصالح التركية في لبنان، ولكن برغم ذلك تستمر المحاولات مع تركيا ونحن لم نفقد الأمل بانخراطهم في المساعي عن طريق مدير المخابرات التركية».
واضافت المصادر أن سفير تركيا في لبنان نقل الى مسؤول سيادي لبناني قبل يومين اعجاب بلاده بإدارة مدير عام الأمن العام اللبناني اللواء عباس ابراهيم لهذا النوع من الملفات.
في غضون ذلك، لم يعط رئيس المخابرات القطرية غانم الكبيسي، حتى مساء أمس، الضوء الأخضر للوسيط القطري، بالتحرك في اتجاه بيروت، الأمر الذي يحمل في طياته أكثر من علامة استفهام حول أسباب التأخير القطري في التحرك، برغم إلحاح الجانب اللبناني ممثلا باللواء عباس ابراهيم.
وأشار أحد المعنيين بملف التفاوض الى أنه سبق للحكومة اللبنانية أن قدمت تسهيلات معينة لإحداث صدمة ايجابية في قضية العسكريين، «فكانت النتيجة اعدام عسكري لبناني (الشهيد عباس مدلج) وذلك بعد ساعتين من مغادرة الموفد القطري جرود عرسال مع ضمانات بعدم قتل أي عسكري، علما أن «النصرة» حاولت التبرير لاحقا للقطريين أن مدلج قتل بسبب محاولته الفرار من مكان اعتقاله».
المقايضة
وأوضح مصدر لبناني معني لـ«السفير» أن خلية الأزمة التي اجتمعت مطلع الأسبوع في مكتب وزير الدفاع سمير مقبل في اليرزة لم تتوافق على قضية المقايضة بين العسكريين والمخطوفين، معتبرا أن أي موقف خارج ما اتفق عليه في الاجتماع «هو اجتهاد شخصي ليس إلا»، في تلميح غير مباشر لموقف وزير الداخلية نهاد المشنوق الأخير.
من جهته، اوضح الوزير المشنوق لـ«السفير» ان الاجتماع المذكور تفاهم على عناوين محددة اتفق على أن تبقى سرية بين الحاضرين وليس بينها موضوع المقايضة، «أما ما أشرت اليه بشأن المقايضة وفق القوانين المرعية الاجراء، فهو ينسجم بالكامل مع مقررات مجلس الوزراء في الرابع من ايلول الحالي بمتابعة الاتصالات اللازمة مع الدول التي يمكن ان يكون لها تاثير ايجابي في عملية اطلاق سراح العسكريين المخطوفين وذلك ضمن الاصول والقوانين المرعية الاجراء».
في غضون ذلك، نجح الجيش اللبناني في تعزيز أوراق القوة في الساعات الأخيرة في عرسال وجرودها، سواء عبر زيادة الضغط على المجموعات المسلحة بالطيران والمدفعية وغزارة النيران أو بقطع الإمدادات الغذائية، وانعكس هذا الأمر إرباكا في صفوف المجموعات المسلحة، خصوصا بعد أن باشر الجيش بمداهمة بعض المخيمات التي تؤوي عشرات المشتبه بهم في عرسال، واعتقل العشرات ممن سارع بعضهم للاعتراف بمشاركته في أعمال عسكرية وأمنية ضد الجيش.
وقد رصدت مخابرات الجيش اتصالات اجرتها المجموعات المسلحة التابعة لـ«النصرة» و«داعش» تدعو بعض المجموعات المتطرفة في الشمال والبقاع والعاصمة ومخيمات الجنوب إلى استثمار الدعوة التي أطلقتها «هيئة العلماء المسلمين» اليوم بعنوان «جمعة رفض ذبح عرسال». وفي الوقت نفسه، حاول المسلحون، بعد أن وسع الجيش ليلا نطاق عملياته الصاروخية، في الجرود، توسيع نطاق قصفهم المدفعي ليطال أطراف بلدة اللبوة.
وفيما تحدثت «الهيئة» عما أسمته «معاقبة عرسال جماعيا»، وألمحت إلى أن الجيش اعتقل نحو 500 شخص، أمس، وأنه «تم تجريد الرجال من ثيابهم وتركيع النساء واهانتهن وارعاب الاطفال»، قال قائد الجيش العماد جان قهوجي بعد لقائه، أمس، مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، ان «ما يقوم به الجيش هو منع المسلحين المتواجدين في جرود عرسال من الدخول إلى البلدة والاعتداء على المواطنين فيها»، واعلن حرص الجيش الكامل «على امن وسلامة اهلنا في عرسال»، وقال: «لا يوجد اي حصار على مدينة عرسال وأهلها»، وأوضح ان «الجيش يعمل بكل جد لتأمين امن اللبنانيين في جميع المناطق اللبنانية من دون تفرقة ولا تمييز».
وقالت مصادر معنية لـ«السفير» إن الجيش تكفل بتأمين المساعدات لأهل عرسال، لكن ما حصل هو أن الجيش فصل الجرد عن البلدة «عبر خطة محكمة لحصار المسلحين التكفيريين والمجموعات المسلحة ومنع اية مواد عنهم قد تساعدهم على الاستمرار في منهجهم المعادي للدولة وللجيش، ولاستمرارهم في خطف العسكرييين».
وأوضحت المصادر ان عدد الموقوفين الاجمالي امس بلغ 36 شخصا، اوقفوا بسبب عدم امتلاكهم للاوراق الثبوتية، يضافون الى 22 موقوفا لدى الجيش، ثبتت مشاركتهم في القتال ضده، وهم قيد التحقيق فتكون المحصلة النهائية للموقوفين حتى مساء امس رست على 58 موقوفا.