IMLebanon

تغاضت فرنسا عن «تجنيد الجهاديين».. فضربوا قلبها!

أسئلة حول العملية الإرهابية ضد «شارلي إيبدو»

تغاضت فرنسا عن «تجنيد الجهاديين».. فضربوا قلبها!

كتب المحرر السياسي:

لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم الثلاثين بعد المئتين على التوالي.

«زينة» الرئاسية مؤجلة، و«زينة» الحكومية جعلت مجلس الوزراء معلقا «بفضل النفايات»، حتى إشعار آخر، لينضم إلى مجلس النواب المستريح منذ أن مدد لنفسه.

أما «زينة» الطبيعية، فقد زيّنت لبنان بالأبيض وزنّرته بالبرد ومددت العطلة وخففت ازدحام الطرق، لكنها كشفت عن مآس مقيمة وأخرى مستجدة، لعل أكثرها وجعا، مأساة الفقراء السوريين المقيمين في عراء الخيم القماشية أو البيوت الخشبية وربما في عراء الطرق والدروب.. وانتظار نهاية ما.. لا تأتي منذ أربع سنوات.

«زينة» الفرنسية يبدو أنها لن تهدأ.. وحالها حال زلزال الحادي عشر من أيلول النيويوركي.

وإذا كان تضامن الصحافيين في كل العالم مع أنفسهم طبيعيا وبديهيا، إلا أنه لا يلغي مساءلة السياسيين والأمنيين، تماما كما حصل بعد تفجير «البرجين»، خصوصا عندما تتكشف فصول تحذيرات ونصائح تلقاها الفرنسيون، في الشهور الأخيرة، من جهات استخبارية عدة، بينها جهات سورية ولبنانية، من احتمال إقدام «مجموعات جهادية» عائدة من سوريا أو على صلة بمجموعات إرهابية على أرضها، على تنفيذ عمل ارهابي كبير على الأراضي الفرنسية.

ولعل أولى الرسائل التي تلقتها بعض الأجهزة اللبنانية من أجهزة أمنية أوروبية «أننا أخطأنا عندما لم نأخذ تحذيراتكم ومعلوماتكم على محمل الجد»، أما الجواب فكان: «معلوماتنا أن ثمة تحضيرات لعمليات ارهابية جديدة على الأراضي الفرنسية ربما تكون أعنف من تلك التي أصابت أسبوعية «شارلي ايبدو».

وأدت هذه التحذيرات الى مبادرة سفارات غربية عدة، أبرزها السفارة الفرنسية في بيروت الى اتخاذ إجراءات أمنية تشمل مقارها ومصالحها في لبنان، خصوصا في ظل المنحى الذي سلكته مؤسسات إعلامية فرنسية وأوروبية باتجاه نشر رسوم كانت تتحفظ عن نشرها في وقت سابق وتمس تحديدا الدين الاسلامي.

ويختصر مرجع لبناني سابق المشهد برواية سمعها شخصيا من مسؤول أمني أوروبي وتتضمن الآتي: «في صيف العام 2013، سهّل جهاز أمني أوروبي، عملية تجنيد مجموعة جهادية مقيمة في عاصمة أوروبية الى سوريا عن طريق تركيا، وصدف أن أحد أفراد المجموعة تعذر عليه الالتحاق بالمجموعة والوصول الى المطار الأوروبي، بسبب زواجه قبل يومين من تاريخ التحاقه، فطلب منه «أميره» الالتحاق بـ «الجهاديين» في مالي، وبالفعل سافر الى هناك عن طريق دولة في شمال أفريقيا، ولم تمض ساعات على وصوله، حتى وقع في كمين للجيش الفرنسي. أثناء التحقيق معه، قال للضابط الفرنسي: «لقد صدف أنني تأخرت عن الالتحاق بمجموعة جهادية متوجهة الى سوريا.. وبرعاية من جهاز أمني أوروبي، بسبب زوجتي.. فتم تعديل الوجهة. لو كنت اقاتل في سوريا، كنت ستتعامل معي كبطل يقاتل أعتى نظام ديكتاتوري في العالم.. أما وانني أقاتل هنا (ضدكم)، فقد أصبحت مجرما من وجهة نظركم»!

هذه الرواية تختصر معظم التعامل السياسي والأمني الأوروبي، وخصوصا الفرنسي، مع قضية الارهاب، وهي نموذج لنقاش سيتصاعد في أوروبا حول مسؤولية كل بلد في مواجهة الارهاب العائد سواء من مالي أو من سوريا أو العراق؟

الفرنسيون اعتكفوا عن المشاركة بالضربات الجوية ضد أهداف لتنظيم «داعش» على الأراضي السورية، علما أن باريس كانت من أشد المتحمسين لتوجيه ضربات ضد النظام السوري في صيف العام 2013، قبل أن يتراجع الأميركيون والبريطانيون في آخر لحظة، بفعل المخرج الذي وفره الروس لهم في تلك المرحلة، وأدى الى تدمير البرنامج الكيميائي السوري.

واللافت للانتباه أن الفرنسيين يتجنبون حتى الآن، وبأعذار غير مقنعة للرأي العام الفرنسي، مقاربة موضوع الضربات في سوريا، تارة بحجة عدم توافر غطاء الشرعية الدولية (…) وتارة أخرى بحجة أن من شأن هذه الضربات تقوية النظام السوري.

هواجس وتساؤلات

بعد تصفية الرهينة الفرنسية بيار هيرفيه غوردال في الجزائر في أيلول المنصرم، واعلان فرنسوا هولاند ان بلاده لن تتراجع في حربها ضد الارهاب، تجدد السؤال حول مشاركة باريس في الضربات العسكرية الجوية في سوريا، وجاءت مناقشات الجمعية الوطنية الفرنسية ومنابر ديبلوماسية وسياسية وأجهزة أمنية، لتعكس حجم هواجس الشارع الفرنسي، في ضوء الأداء المتعثر للحكومة الفرنسية:

  • ماذا إذا طال أمد الحرب في سوريا، خصوصا بعد اعلان «الدولة»، وماذا عن حركة «الجهاديين» العائدين من سوريا والعراق ومالي الى اوروبا؟
  • هل من واجب الفرنسيين التضامن مع مسيحيي سوريا ولبنان والعراق ومجمل الشرق العربي وصولا الى محاولة نجدتهم عند الضرورة، أم نتصرف معهم على قاعدة أن فرنسا العلمانية لا تملك نظرة خاصة الى المسيحيين تميزهم عن غيرهم من أبناء المنطقة؟
  • إذا كان لا مفر من ممر إلزامي من خلال قرار دولي يصدر عن مجلس الأمن الدولي، خصوصا في ضوء مطالبة العراقيين المتكررة بذلك، فأية دينامية ستتبعها الحكومة الفرنسية للوصول الى قرار دولي من شأنه، لو صدر، استعادة الشراكة مع الأسرة الدولية، وخصوصا روسيا والصين في مواجهة خطر ارهابي كبير لا يستثني دولة أو شعبا؟
  • إذا كانت فرنسا تملك علاقة خاصة مع بعض دول الخليج وخصوصا السعودية وقطر، وثمة استثمارات خليجية في السلاح والاقتصاد الأوروبي بعشرات مليارات الدولارات، كيف يمكن لفرنسا أن تجيّر هذا الرصيد، مع هذه الدول، من أجل أن تنخرط في الحرب ضد الارهاب بدل ما يحصل من تمويل ودعم لمنظمات ارهابية لا بل لجمعيات تتظلل بعباءة الاسلام في أوروبا، وتحظى بدعم خليجي، بينما كانت تشكل غطاء لتجنيد مجموعات ارهابية الى سوريا وغيرها؟
  • ما هي السياسة التي رسمتها فرنسا للاستفادة من زخم علاقتها مع تركيا في الاتجاه نفسه؟
  • ما هي شروط الشراكة الفرنسية والغربية مع روسيا وايران في الموضوع السوري تحديدا الا اذا كانت باريس مقتنعة أنه يمكن تجاوز هذين العاملين في الأزمة السورية؟
  • هل تملك فرنسا استراتيجية واضحة في الشرق الأوسط وخصوصا في ملف الصراع العربي ـ الاسرائيلي، بمعزل عن سياسة الالتحاق بالولايات المتحدة؟
  • هل يمكن أن يعطي الفرنسيون تفسيرا لموقفهم المستكبر ازاء قضية المناضل اللبناني والعربي الكبير جورج ابراهيم عبدالله ولماذا ينصاعون للاملاءات الأميركية التي تتحدى قوانينهم ومبادئهم؟
  • ما هو الهدف العسكري الأميركي تحديدا والغربي عموما، هل هو وقف تمدد «داعش» والحد من نفوذه ام القضاء عليه او تطويقه؟
  • هل يعتقد الفرنسيون أنه بمقدورهم محاربة «داعش» في العراق، وعندما تبلغ المعركة عتبة سوريا يقولون ان الحرب ضد الارهاب انتهت.. وليفعل النظام السوري ما بمقدوره أن يفعله وحده في مواجهة مجموعات إرهابية باتت تضع يدها تقريبا على نصف الأراضي السورية؟
  • هل يمكن لعاقل أن يصدق أن الحرب ضد «داعش» لا يمكن ان تقتصر على الجو، بل لا بد من خيار البر؟
  • هل يستطيع الفرنسيون أن يمارسوا الشفافية تجاه شعوبهم، بالكشف عن بعض أدوارهم في تنظيم وتسليح مجموعات جهادية وتسهيل انتقالها من أوروبا الى سوريا وغيرها من «الساحات»؟
  • هل يخفى على المخابرات الفرنسية تحديدا، أن «الفيروس الجهادي» موجود في كل بلد من بلدان العالم (ومنها فرنسا) سواء أكان فردا أم مجموعة أو أكثر، وبالتالي، يمكن لهذا «الفيروس» ان يتفشى بأسرع مما يتوقع القيمون على اجهزة الاستخبارات؟
  • من يستطيع أن يعطي تفسيرا لعمليات تجنيد الجهاديين في فرنسا وغيرها ولماذا فشلت سياسات الاحتواء والاستيعاب الأوروبية ولماذا يفضل «اوروبيون جهاديون» الموت من اجل خليفة وهمي على العيش في ما تسمى «بلاد حقوق الانسان»؟ اين مسؤولية سياسات التهميش والعزل والنبذ (تعاظم دور الأحزاب والمجموعات اليمينية المتطرفة في فرنسا وغيرها)؟

بين الواجب الأوروبي الاخلاقي وواقع السلوك السياسي والأمني الأوروبي هوة لا يعرف أحد كيف يمكن ردمها، ويبقى السؤال الكبير: هل هناك استراتيجية أوروبية أو فرنسية في الشرق الأوسط؟