IMLebanon

السفير… استشهاد صحيفة

كانت السفير، سفير أولئك الذين لا صوت لهم، وهم غالبية ساحقة على امتداد عالمنا العربي، وكانت صوتهم المدوي في وجوه الظالمين واللصوص وأصحاب الجبروت والقهر على مستوى الوطن والأمة والعالم، من دول تسمّى عظمى وتستخدم قواها القاهرة لاذلال الأمم والشعوب والأنظمة، واستتباعها بقوة السلاح والدولار والارهاب على أنواعه… ولم تكن الصحافة المكتوبة يوما تجارة رابحة وهي نقيض لأبسط قواعد الاقتصاد السليم، اذ ان كلفة انتاجها تفوق أرقام مداخيلها. غير أن الصحافة ليست سلعة، ولا تشبه غيرها، ولا تنطبق عليها معايير الاقتصاد الحر. انها أولا وأخيرا قيمة وطنية وقومية في حروب السيادة والحرية. ومن هنا فان مصيرها ليس مسؤولية مواطن فرد مهما عاند في معارك البطولة، وانما هي أولا وأخيرا مسؤولية وطن وأمة.

في هذا الاطار الوطني والقومي والانساني، ثمة جانب شخصي في العلاقة مع السفير ومبدعها طلال سلمان. وقد سبقني الى زمالة مبدع رائد من كبار القلم والصحافة المكتوبة في الأمة هو الراحل سعيد فريحه. وسبقني في الخروج من دار الصيّاد، وذهب كل منّا في طريق. وحطّ بي الرحال في الكويت لتأسيس جريدة القبس لمصلحة أصحابها الكويتيين، وكانوا خمسة من كبار غرفة التجارة والصناعة في الكويت، ومن كبار رجال الأعمال، وكل منهم قادر على اصدار صحيفة وتمويلها على مدى الزمان، ولكنهم كانوا من الحكمة بحيث اجتمعوا لتوزيع المخاطر. وصدر العدد الأول من القبس في ١٦ شباط / فبراير ١٩٧٢، أما طلال سلمان فتنطّح للمسؤولية منفردا، وصدر العدد الأول من السفير في ٢٦ آذار / مارس ١٩٧٤. واحتفظ بالعددين الأولين من القبس والسفير، وأضم الآن اليهما العدد الأخير من السفير، وأصلّي كي لا أضيف الى هذه المجموعة أي عدد أخير من أية صحيفة لا في لبنان ولا خارجه!

كان طلال سلمان من الشجاعة بحيث أعلن وجعه على العالم. وهذا لا يعني عدم وجود كثيرين من أهل القلم وأصحاب دور الصحافة ممن يتألمون بصمت وكبرياء، ويستمرون في الاقتطاع من لحمهم الحيّ لتأمين استمرار صحفهم ومجلاتهم، ومنها ما كان بعمر الاستقلال وتوأما له. وموت الصحافة هو موت لجزء عزيز وحيوي من الوطن ومن سيادته.

ولهذا السبب فان الصحافة وضمان استمرارها بل وازدهارها هو من مسؤولية الدولة، كمؤسسات وشعب. وفي عهد مثل عهد الرئيس ميشال عون كرجل رؤيوي وعميق الثقافة وصلب العزم والارادة، ويعيد بناء الدولة السيدة والحرة، تأبى عزته الوطنية ان تُقفل أبواب الحرية مع تساقط صحافة الوطن تباعا. وهو الرئيس الذي دعا بالأمس لبنانيي الانتشار في العالم الى المساهمة باعادة النهوض، بمن فيهم من رجالات مقتدرين في الامكانات… فهل من العسير ايجاد صيغة تضم العام والخاص، والمقيم والمغترب، لانشاء صندوق سيادي للحريات يحفظ للوطن صحافته الحرة؟ وهل كثير على شخصية وزير الاعلام الواعد ملحم الرياشي الذي بشّر باقفال وزارة الاعلام، ان يفتح بابا واسعا للصحافة للاستمرار في اداء رسالتها الحرة؟!