IMLebanon

ردود المقاومة على الإغتيال ستعمّق مأزق العدو

   

 

أجمل حزب الله على لسان رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله، السيد هاشم صفي الدين، قراءته لعملية الاغتيال التي استهدفت القائد الكبير «أبو طالب»، ورفاقه، بأن العدو «لم يتعلم من كل التجارب التي مضت حين يعتقد بأن شهادة القادة ستُضعف المقاومة»، في إشارة إلى رهانات العدو وآماله بأن تؤدي هذه الضربة النوعية إلى إضعاف معنويات مقاومي حزب الله وزعزعة بنيتها على الجبهة. ورداً على هذا الرهان أكّد السيد صفي الدين أنه «كلما استشهد منّا قائد ازدادت المقاومة قوّة وعزماً في الميدان». في تعبير دقيق عن أن المعيار الذي يكشف عن مفاعيل هذه العملية سيظهر في ميدان القتال. وهو ما فصّل المقصود به في كلامه اللاحق.وفي البعد الإقليمي لهذا العدوان الإسرائيلي المدروس والهادف، تابع السيد صفي الدين قراءة حزب الله بالقول: «إنه في حال كانت رسالة العدو النيل من عزيمتنا في إسناد غزة، فإنّ جوابنا القطعي والحتمي بعد هذه الدماء الزكية أننا سنزيد من عملياتنا شدّة وبأساً وكمّاً ونوعاً»، في إعلان صريح ومباشر أصبح من الضروري إعادة التأكيد عليه في ضوء المتغيّرات السياسية والرسالة الدموية الإسرائيلية، بأن الجواب سيكون تصاعدياً. وبلغة التحدي الذي ارتقى به حزب الله إلى حد القول: «سيرى هذا العدو من هم أبناء المقاومة الإسلامية في لبنان». في موقف صريح وواضح بأن على العدو أن ينتظر مستوى جديداً من العمليات، في مقابل ارتقاء اعتداءاته.

 

في البعد الإسرائيلي، جسَّد استهداف القائد الكبير في حزب الله، الشهيد «أبو طالب»، حقيقة أن العدو ارتقى بمستوى نوعي في المواجهة والاعتداءات التي ينفّذها. وبالتأكيد أن استهدافاً بهذا المستوى لا يتم إلا بناءً على قرار من أعلى المستويات القيادية السياسية والأمنية، لما ينطوي عليه من رسائل ومخاطر وتداعيات محتملة.

 

بتعبير آخر، نجح جيش العدو في قتل أرفع رتبة تنظيمية لقائد عسكري على الجبهة، منذ بداية الحرب. وتمّ ذلك بطريقة الاغتيال وخارج النطاق الجغرافي للمواجهة العسكرية المباشرة. وهو تجسيد لإرادة العدو بالارتقاء عن السقوف السابقة، ولكنه ارتقاء لا يزال – من منظور إسرائيلي – أقل من التدحرج نحو مواجهة عسكرية مفتوحة.

 

تبلور قرار الاغتيال بعد سلسلة خيارات ميدانية وسياسية فاشلة، في ردع حزب الله ودفعه لفكّ الارتباط عن غزة، وفي أعقاب سلسلة هجمات نوعية لحزب الله فاقمت الضغوط على الواقع الإسرائيلي، أمنياً وسياسياً وجمهوراً. ونتيجة ذلك، ارتفعت في الأسابيع الأخيرة، الأصوات الداعية في إسرائيل إلى توسيع المعركة في الشمال، مع تزايُد التقدير وسط الجمهور أنه من دون حرب واسعة لا يمكن تحقيق الاستقرار والأمن على الحدود مع لبنان. اقترن ذلك بتقديرات إسرائيلية أن ما يمنح حزب الله هامشاً أوسع في المبادرة والرد إدراكه لمردوعية إسرائيل عن المبادرة إلى خوض مواجهة عسكرية واسعة ضد حزب الله وصولاً إلى الحرب المفتوحة.

لن يطول الوقت حتى يكتشف العدو أنه أمام معضلة أكثر إحكاماً

 

في الوقت نفسه يرى العدو أيضاً أن حزب الله يمتنع حتى الآن عن رفع مستوى عملياته وردوده انطلاقاً من أن هذا المستوى يحقّق المطلوب في إسناد غزة والدفاع عن لبنان، ولأنه لا يريد حشر إسرائيل نحو خيارات دراماتيكية.

 

في هذه الأجواء نفسها، توالت مواقف عديدة من أعلى المستويات السياسية والأمنية تؤكد على أن إسرائيل ماضية نحو اتخاذ قرارات عملياتية أشد مما سبق، وإن كان التقدير أنها مضبوطة. وأتت هذه المواقف في الوقت الذي باتت فيه إسرائيل أمام مروحة خيارات أساسية:

 

الأول، الاستمرار في تبادُل الضربات وفق السقف القائم، بهدف منع التدحرج نحو حرب، ومحاولة توجيه أكبر قدر ممكن من الضربات وذلك إلى حين التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، والذي سيؤدي إلى وقف القتال في الشمال والسماح للسكان بالعودة إلى منازلهم.

 

الثاني، المبادرة إلى عملية عسكرية تؤدي إلى حرب واسعة في الشمال. لكن دون ذلك العديد من المخاطر والقيود. وثبت أن إسرائيل لا تزال تتجنبها حتى الآن.

 

الثالث، وهو الخيار الذي يبدو أن إسرائيل انتهجته الآن وترجمته باغتيال الشهيد «أبو طالب»، عبر الارتقاء عن السقف السابق، وملامسة المرحلة التي تلي، بهدف رفع منسوب الضغوط على قيادة حزب الله وقاعدته. والأمل بأن يساهم ذلك، باعتباره محطة في مسار، في كبح حزب الله عن خياراته في إسناد المقاومة في غزة ودعم أهلها. مع أرجحية لدى العدو بأن ذلك لن يؤدي إلى حرب شاملة، خاصة أن المُستهدَف هو قائد في الجبهة التي تقاتل إسرائيل بشكل مباشر.

 

ويبدو أن هذا الاستهداف يندرج أيضاً، ضمن محاولة الخروج من المعضلة التي تواجه كيان العدو في مواجهة حزب الله. فمن جهة لا أمل بتراجع حزب الله عن خياراته ولا ردعه. والتكيّف مع الواقع الذي فرضه حزب الله في شمال فلسطين المحتلة يشكّل عاملَ ضغطٍ كبيرٍ انعكس ذلك أيضاً في مواقف الإدارة الأميركية. والحرب الشاملة هي المحظور الذي تتجنب إسرائيل طرق بابه حتى الآن.

 

في المقابل، أتى جواب حزب الله أيضاً على لسان السيد صفي الدين، الذي من الواضح أنه سيُبدِّد الرهانات والآمال الإسرائيلية، فأكّد أن «جوابنا الحتمي بعد استشهاد أبو طالب أننا سنزيد من عملياتنا شدة وبأساً وكمّاً ونوعاً ولينتظرنا في الميدان». ويعني ذلك أن الجبهة ستكون أمام مرحلة جديدة من العمليات تتجاوز السقوف السابقة. وستكتشف إسرائيل أن نتيجة هذه العملية ليست فقط عدم تحقيق المؤمّل منها، على مستوى حزب الله وعلى مستوى إسناد غزة ودعمها، وإنما ستُعزز الضغوط الميدانية على إسرائيل بما لم تشهده سابقاً، وهو ما ألمح إليه السيد صفي الدين بالقول: «إذا كان العدو يصرخ ويئنّ مما أصابه في شمال فلسطين فليجهّز نفسه للبكاء والعويل». ولذلك لن يطول الوقت حتى يكتشف العدو أنه أمام معضلة أكثر إحكاماً، وستتحول على وقع ضربات المقاومة الإسلامية إلى مأزق ميداني وسياسي واستراتيجي، وسيكتشف أن محاولة اجتراح خيار عملياتي بديل ستُعمّق مأزقه، وتقيّد خياراته، وتجعلها أكثر خطورة على أمنه، وستُضعف منطق المراهنين على إمكانية تسقيف ردود حزب الله بما يُمكّن إسرائيل من التكيّف معها، ويُعزّز منطق الذين يطالبون بوقف حرب غزة كمدخل لوقف الحرب على جبهة جنوب لبنان.