Site icon IMLebanon

ماذا خفي من أسرار في اغتيال الرئيس بشير الجميل؟(3)

 

التدريب والتفجير والإعتقالالتدريب والتفجير والإعتقال

 

من هي الجهة الثالثة التي كانت تعمل للتخطيط لعميلة اغتيال الرئيس بشير الجميل ولماذا لم يتم ذكرها في التحقيق العدلي أو التحقيق الأمني؟ مع أن المعطيات أشارت إليها وحددتها من شراء الأجهزة إلى التفجير. وكيف تمكن الشرتوني مثلاً من الهرب من المكان الذي وضع فيه بعدما سلمه جهاز الأمن في القوات اللبنانية إلى الرئيس أمين الجميل؟ ولماذا لم يهرب الشرتوني بعد تنفيذ العملية أو لماذا لم يتفق مع العلم على خطة الهرب؟ وهل كان لديه غطاء يحتمي به ويعتبر أنه لا يمكن أن يكون موضع شك؟

 

عندما عرض العلم على الشرتوني حقيبة التفجير، تولى شرح طريقة إستعمالها. حسب بعض إفاداته يقول إن العلم قد تعلم بدوره طريقة إستخدام الحقيبة من طرف ثالث. من هو هذا الطرف الثالث؟ أيضاً التحقيقات لا تكشف هذا السر. ولكن في الوقائع ومن خلال متابعة طريق الحقيبة من اليابان الى لبنان، يظهر أن هناك أربع حقائب تم شراؤها في العام 1979، وأنه تم الإستفسار عن إمكانية تحويلها من غرض تأمين إتصال بالصوت الى غرض تحويل الإشارة الى شرارة كهربائية يمكن أن تفجر الصواعق والعبوات، وبالتالي تأمين كيفية تحويلها من الإستعمال لأغراض مدنية الى أغراض إرهابية تخريبية. لقد تزامن شراء هذه الأجهزة مع إعداد أكثر من عملية لاغتيال الشيخ بشير الجميل كان أهمها في 23 شباط 1980 في طلعة العكاوي حين استُشهدت إبنته مايا، بالإضافة الى عمليات أخرى إكتُشفت أو فشلت. ومن خلال المتابعة مع الإنتربول توفرت معلومات من اليابان عن الجهة التي إشترت الحقائب من الشركة اليابانية وهم محمد أمين جبري (محمد س. جبري) (أو جابري) مع شخص أعطى لنفسه إسم الكولونيل ديب وخبير إتصالات هندي يعمل في المؤسسة التي كان جبري يعمل فيها، وهي شركة صابرين، أو صبارين، كما يرد ذكرها في أمكنة مختلفة من التقارير المكتوبة بالإنكليزية أو المترجمة الى العربية. وهناك تقرير غير واضح من أعده يشير الى أن الفريق الذي اشترى الحقائب كان اشترى أيضاً سيارات جيب لمصلحة إحدى المنظمات الفلسطينية. من هي هذه المنظمة؟ هذا أيضاً سر لم تكشفه المعلومات المنشورة في التحقيقات.

 

– في كتابه “أسرار حرب لبنان” يذكر ألان مينارغ أن “القوات اللبنانية” بعد توقيف الشرتوني سلمته الى الرئيس أمين الجميل قبل أن يستجوبه أحد، وقد وُضع في الطبقة السفلية لدار مهجورة، “وبعد ذلك ببضع ساعات تمكن من فك قيده الحديدي الذي كان سيئ الإغلاق وفرّ هارباً من كوّة مفتوحة واختفى تحت جنح الظلام. لكنه اعتُقل عند الفجر من قبل رجال الـH.K. (إيلي حبيقة) الذين كانوا على آخر حاجز لـ”القوات اللبنانية” فيما كان يعبر نحو المنطقة التي يسيطر عليها السوريون. وأُعيد الشرتوني فوراً الى مبنى الأمن حيث وُضع أمام كاميرا فيديو وبدأ إستجوابه”. ويتابع مينارغ: “قال برصانة وهدوء إنه عضو في الحزب السوري القومي الإجتماعي (معترفاً)، منذ ثلاث سنوات، في سنة 1979 إتصل بي من الجناح اللبناني في الحاضرة الجامعية اللبنانية بباريس نبيل العلم رئيس جهاز الإستخبارات في الحزب السوري القومي الإجتماعي وطلب مني الإنضمام الى جهازه لأنني مسيحي من الأشرفية”. لم تكن عائلة الشرتوني مجهولة تماماً عند الحزب الموالي لسوريا. فإن شقيق حبيب الشرتوني، جورج، كان يدير من قبل خلية للحزب السوري القومي الإجتماعي في إيطاليا. وكان والدهما يملك مختبراً للتحاليل الطبية في بيروت الغربية في شارع كليمنصو، وفي مكان غير بعيد عن السفارة الفرنسية. “وتم فصلي سريعاً للإلتحاق بهواري”، أكد حبيب”.

 

بحسب المعلومات المذكورة في التحقيقات المنشورة، لا ذكر لانتماء أحد من عائلة حبيب الصغيرة الى الحزب القومي. بالإضافة الى ذلك، لم تذكر هذه التحقيقات إسم هواري. من هو هواري؟ وهل ما ذكره ألان مينارغ صحيح؟ هذا أيضاً سر لم يُكشف عنه بصورة رسمية.

 

– حول هذا الموضوع يتابع ألان مينارغ في كتابه نفسه: “كان هواري أبو الهول الفلسطيني، عضواً في جهاز إستخبارات “فتح”. وكان خصوصاً رئيس خلية أمان (أو أمن) المندوبين، حيث كان يعاونه النقيب سعدي. كان قد أعدّ بنية ودور هذه الخلية طالب حقوق يُدعى فؤاد الشمالي (زوج إبنة زعيم الحزب السوري القومي الإجتماعي أليسار سعاده). كان مبدأ عمل هذه الخلية بسيطاً: تعهّد العمل الإرهابي. فكان على كل حزب، أو إسلامي، أو تقدمي، تبعاً لإمكانيته، أن يقدم لمنظمة أمان المندوبين معلومات ووسائل تقنية، وعتاداً، ورجالاً. وكان ينبغي لهؤلاء الرجال الآتين من آفاق مختلفة أن يتمكنوا من “العمل” في محيطهم الأصلي. وهكذا كان الموارنة يعالجون أهدافاً في المناطق المسيحية، ويقوم السنّة منهم بالعمل ذاته في مناطقهم. وهلمّ جرّا. كانت هذه الطريقة تسمح باختراقات أكثر أمناً، وبـ”تضليل التحقيقات”. وقد أتاح التحقيق حول نشاط هذه المنطقة توقيف إثنين من المسيحيين هما جوزف كازازيان ونزيه شعيا، اللذين كانا وضعا سيارة ملغومة بالقرب من قصر بسترس لأجل إغتيال بشير الجميل في شباط 1980. وحطم الإنفجار سيارة بشير المرسيدس 280 الخضراء اللون التي كان في داخلها إبنته مايا وإثنان من حرسه الشخصي. كان هذان الرجلان في فترة ما ينتميان الى مجموعة الياس الشرتوني الذي كان يرأس فريقاً ينتمي الى جهاز إستخبارات “القوات اللبنانية” التي يرأسها إيلي حبيقة. كانت منظمة أمان المندوبين تعمل لحساب كل من “مزوِّديها”، وكذلك بناء على طلب كل من يدفع بدل أتعابها (غالياً جداً). وكان حبيب الشرتوني قد “أُعطي” في هذا الإطار الى المنظمة من جانب الحزب السوري القومي الإجتماعي، هذا الذي استغرب إتهامه بالتورط مباشرة في إغتيال بشير الجميل. وقد أكد زعيمه إنعام رعد في بلاغ صدر عنه أن واضع المتفجرات ليس عضواً في منظمته”.

 

لم يذكر مينارغ مصدر معلوماته، ولكن وإن كانت التحقيقات المنشورة تشير الى جهة ثالثة كان يتعامل معها نبيل العلم، فإنها لا تحدد هويتها ولا هوية الأشخاص. ولكن هذه المعلومات معطوفة على عملية شراء أجهزة التفجير تكاد تحدد هذه الجهة، وإن لم يتوصل التحقيق الذي أُجري مع الشرتوني الى الكشف عنها. فإما الى أنه لم يكن على علم بها أو أنه أنكرها طوال فترة إعتقاله. يُضاف الى ذلك أن التحقيق العدلي يتحدث عن ملف إغتيال مايا بشير الجميل وهو في مكوّناته وأطرافه يشبه ملف إغتيال بشير الجميل لناحية علاقة نبيل العلم بالمتهمين فيها وهم من الحزب السوري القومي الإجتماعي وبالجهة الثالثة نفسها ربما. وكان من الواجب ربما التوسع في التحقيق أكثر، ولو على سبيل المعلومات، وإن كانت هذه المعلومات لا تؤدي في النتيجة حتماً الى إتهام مباشر لهذه الجهة الثالثة.

 

– عندما لقَّن العلم الشرتوني طريقة عمل جهاز التفجير، يقول حبيب إنه عرض عليه تنفيذ عملية ضد الجيش الإسرائيلي، ولكن العلم أكد على أن العملية ستكون ضد بشير. إقترح الشرتوني تنفيذها على طريق يسلكها، فأكد العلم على وضع العبوة في الشقة الغربية. وفي أواسط آب نقل حبيب جهاز التفجير، أو الإرسال، من منزل العلم وأعطاه رقم هاتفه في منزل جده. كان يشعر بالأمان الى الحد الذي يجعل التواصل بينه وبين العلم سهلاً ولم يخشَ من الإتصال به الى منزل جده فوق بيت الكتائب مباشرة. وقد أعطاه العلم رقم هاتف في قبرص للتواصل معه وآخر جديداً في منزله إستعاره من القيادي في الحزب القومي محمود عبد الخالق.

 

– ليل 29 آب 1982، نقل حبيب المتفجرات والصواعق الى منزل جده وأبقى حقيبة التفجير في منزل خالته في الناصرة. التحقيق العدلي يذكر أنه أنزل الحقيبتين اللتين وضع فيهما المتفجرات الى الشقة الغربية الساعة الثانية صباحاً، ويروي التفاصيل حول كيفية إنزالهما من على الدرج الى شرفة المطبخ وكيفية فتح الباب ووضعهما في المكان المتفق عليه. تحقيق جهاز الأمن لا يذكر هذا الأمر. يتحدث عن إنزال المتفجرات ليلة 13 أيلول. التحقيق العدلي يتوسع أكثر عندما يذكر كيف أن العلم شجعه على تفجير العبوة يوم الثلثاء 31 آب. مطلع أيلول إتصل العلم بشقيقته في منزله في الوتوات. ربما غادر الى قبرص متوقعاً أن ينفذ الشرتوني العملية في 31 آب. في 30 آب إتصل به وتأكد من وضع العبوة. وكرر الإتصال به في الموعد المحدد، ولكن حبيب لم ينفِّذ. دخل الى بيت الكتائب وتأكد من وجود الشيخ بشير وخرج وزار آل شاهين في الشقة الشرقية وكان خائفاً من أن يتم تفتيش الشقة الغربية واكتشاف العبوة. ولكن هذا الأمر لم يحصل. مساء 31 آب إتصل به العلم الى منزل جده. سأله لماذا لم ينفّذ؟ أجابه بأن الشيخ بشير لم يمكث طويلاً في بيت الكتائب.

 

– في أيلول 1982، أي عندما كانت المتفجرات موضوعة في الشقة الغربية، إكتملت عملية شراء حزب الكتائب للعقار بمبلغ 2,5 مليون ليرة وتم السماح لعائلة الشرتوني بالبقاء في المنزل حتى إكتمال إصلاح منزلهم الأساسي في شارع الزهار. وعلى رغم ذلك لم تحصل عملية مسح للعقار، وخصوصاً الشقة التي تم إخلاؤها. وهذا سر لم يكشفه التحقيق. سر التزامن بين إنجاز عملية شراء العقار وإعداد العبوة، وسر عدم تفتيش المبنى.

 

– ليل الخميس 3 أيلول إستعاد حبيب المتفجرات من الشقة الغربية وأعادها الى منزل جده ولم يلاحظه أحد. على رغم أن شقيقته كانت تقيم معه في المنزل، إلا أنه ربما إختار أوقاتاً تكون فيها غائبة. حصل حبيب على إجازة غير مدفوعة من مركز عمله في شركة “تمام”. الثلثاء في 7 أيلول حضر الشيخ بشير الى قسم الكتائب ولكن حبيب لم ينفّذ العملية. إتصل به العلم أكثر من مرة مستفسراً ومشجعاً على لعب دور البطولة. وعده حبيب بالتنفيذ يوم الثلاثاء 14 أيلول.

 

– الساعة الواحدة فجر الإثنين 13 أيلول أنزل حبيب العبوة مرة ثانية الى الشقة الغربية ووضعها في المكان المتفق عليه وجهزها للتفجير. قبل ظهر 13 أيلول إتصل به العلم فوعده بالتنفيذ مجدداً. الساعة 11,30 ليل الثلثاء 14 أيلول إتصل به مجدداً. لم يكن في منزل جده. كان في شرتون. روت شقيقته. سألها عن حبيب فقالت إنه في شرتون. من يتكلم؟ سألت. قال لها العلم إنه يُدعى سليم الخوري. هل كان الإتصال من نبيل العلم أم أن سليم الخوري كان اسماً حقيقياً لأحد مؤسسي منظمة الألوية الثورية اللبنانية التي نفذت عمليات تفجير في فرنسا؟

 

– يوم التفجير نزل حبيب من شرتون. في التحقيق معه يروي تفاصيل ذلك اليوم حتى حصول عملية التفجير. من غير المفهوم مثلاً السبب الذي دفعه الى البحث عن صندوق حديدي في أحد المصارف لإيداع مستندات الملكية العائدة لوالده فيه.

 

– لا يتحدث حبيب مثلاً عن خطة للهرب. مما قاله إن العلم نصحه بالهرب الى المتن الأعلى، ضهور الشوير أو بولونيا مثلاً. بعد التفجير لا يذكر أنه إتصل بنبيل العلم أو نبيل العلم إتصل به. بدل الهرب من الأشرفية، توجه مع والده الى شرتون. عندما قرر أن يفجر العبوة لم يغامر بقتل شقيقته. إتصل بها الى منزل جده لتغادر. ولكنه لم يتأكد إذا كانت خرجت. خروجها من المنزل لملاقاته إفتراضياً في ساحة ساسين أنقذها من الموت وساهم في كشف علاقة حبيب بعملية التفجير. يذكر حبيب أنه اتصل بعائلة شاهين لدعوتهم الى مغادرة المنزل، ولكن على الأرجح أنه اتصل ليتأكد من دخول الشيخ بشير الى بيت الكتائب. بعدها إتجه الى منزل خالته في الناصرة ليكبس على الزر وينفذ العملية.

 

– لم تتضح أسباب تطرق التحقيق العدلي الى ملف تفجير السفارة الأميركية في عين المريسة في 18 نيسان 1984، والإستماع الى إفادة المتهم في العملية سامي حمود الحجي الضابط الفار من الجيش المصري.

 

بعد 39 عاماً على اغتيال بشير الجميل وربما بعد أعوام جديدة أخرى ستبقى هناك علامات استفهام كثيرة حول ما أخفته التحقيقات وحول ما عجزت عن اكتشافه. أحد خبراء الإتصالات الذين تمت الإستعانة بهم لمعرفة من أين تم استحضار جهاز التفجير ولعب دوراً في هذا المجال وبقي اسمه غير متداول يرجح أن أجهزة التفجير الأربعة التي تم شراؤها واستخدم أحدها في اغتيال الشيخ بشير تم استخدامها ربما في اغتيال المفتي حسن خالد والرئيس رينيه معوض. هذا أيضاً من أسرار ما بعد الإغتيال لا يمكن معرفة حقيقته طالما أن لا أوراق في ملفي القضيتين.

 

(إنتهى)