Site icon IMLebanon

هل من يقنع نتنياهو بأنه حقق أيا من أهدافه؟

 

ساد الاعتقاد ان مسلسل الاغتيالات الاخيرة قد يشكل اولى درجات السلم الذي يمتطيه رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو للنزول عن الشجرة التي اعتلاها بحثا عن اي نصر يحقق بعضا من سلسلة الاهداف التي حددها منذ إطلاقه عدوانه على غزة. ولكن على ما يبدو أن الرياح سارت بما لا يشتهيه الوسطاء، فمحور الممانعة المستهدف لم يتقبل ما حصل، ولا هو ارتوى من بحور الدم في غزة ولبنان ليحين أوان الحل السياسي. وعليه ما الذي يقود الى هذه المعادلة؟

في كل مرة كان يؤكد فيها نتنياهو ومعه وزير الدفاع يوآف غالانت واركان جيشه انه لن يكون هناك اي وقف لاطلاق النار في قطاع غزة قبل أن تحقق العملية العسكرية التي اطلقها تحت شعار “السلاسل الحديدية” في مواجهة عملية “طوفان الاقصى” اهدافها، معتبرين ان الافراج عن الاسرى الاسرائيليين هو اولوية الاولويات على ان تليه او تتزامن معه عملية تفكيك حركة “حماس” وتجريدها من اسلحتها بعد قتل قادتها وفق لائحة اسمية كشفت عنها من على اكثر من منبر ومناسبة. وهو ما ادى بالوسطاء على مختلف مستوياتهم الى انتظار تلك اللحظة التي يمكن استغلالها لإقناع نتنياهو بالموافقة على وقف لإطلاق النار يشكل اولى الخطوات المطلوبة للتوجه الى ما يليها في اتجاه “اليوم التالي” للحرب.

 

على هذه الخلفيات، اجمعت مراجع ديبلوماسية وسياسية على الاعتقاد أن الاغتيالات التي نفذتها اسرائيل بنحو مكثف في الأيام الاخيرة يمكن ان تشكل محطة للبحث عن مخرج سياسي ينهي العمليات العسكرية ويضع حدا لها. ذلك أن هذه العمليات التي بدأت مساء الثلثاء الماضي باستهداف القائد العسكري في “حزب الله” فؤاد شكر ومعه احد المستشارين الايرانيين في حارة حريك، وتلاها بعد ساعات اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران قد تكون من أغلى واعلى المراكز القيادية التي يمكن ان تطاولها الاستخبارات الاسرائيلية عسكريا وسياسيا، ولكن ذلك لم يحصل ليس لسبب سوى التروي في انتظار ماهية الرد عليها وشكله وتوقيته.

 

ولما سارعت اسرائيل في اليوم التالي للعمليتين، الى التاكيد ان القائد العسكري لـ “كتائب القسام” محمد الضيف قد قتل في ضربة “مخيم المواصي” في غزة في 13 تموز الماضي قد يشكل نهاية “الجردة المطلوبة” التي يمكن ان يقدمها نتنياهو كانجازات تعهد بها امام حكومته وشعبه ليعلن انتصاره في المعركة التي خاضها منذ عشرة أشهر بنحو دموي متواصل. وعندها يمكن الحديث عن تحقيق بعض من اهداف الحرب منذ “الطلقة الاولى” في غلاف غزة، قبل اقتحامه البري لمدنه ومخيماته. وأن من الممكن ان يقدم اي من الوسطاء الفاعلين طرحا يبنيه على ضرورة ان يكتفي نتنياهو بما قام به جيشه حتى اليوم للانتقال الى المرحلة التالية التي ستقود حتما إلى إنهاء اطول الحروب الاسرائيلية ـ الفلسطينية والعربية على الإطلاق ومن اكثرها دموية بعدما تجاوز عدد الشهداء الـ 39 الفا والجرحى الـ 90 ألفا في ظل فقدان مصير نحو 20 ألف فلسطيني آخر وتجاوز عدد الشهداء اللبنانيين الـ 500.

 

ولم يكن هذا الإعتقاد من عبث، فقد كشفت مراجع ديبلوماسية واستخبارية ان بين المسؤولين الاميركيين من اقترح على نتنياهو الاكتفاء بهذه العمليات للانتقال الى المرحلة السياسية مع التعهد بالوقوف الى جانب اسرائيل ان تعرضت لما يشكل خطرا يفيض عن كلفة العمليات العسكرية التي شهدتها المنطقة وقدرتها على المواجهة منفردة. وأرفق الطلب بتمن يدعو الى القبول المبدئي للولوج الى هذه المرحلة بعد السعي الى ضبط “محور الممانعة” ليكون رده مدروسا على الاغتيالات التي استهدفت قادته فلا يؤدي الى “حرب شاملة” لا يمكن تدارك نتائجها ان كانوا يصرون على منع الإنتقال الى هذه المرحلة الخطيرة.

 

فالجميع يدرك – قالت المراجع عينها – انه وان كان من السهل تأريخ لحظة بداية اي حرب واسعة وشاملة بالثواني والدقائق، لكن من الصعب تقدير نهايتها وخصوصا ان التزم المحور بما وعد به من نتاج “وحدة الساحات” ان توحدت من القطاع حتى جنوب لبنان والبحر المتوسط وفي اتجاه العمقين السوري والعراقي وصولا الى اليمن والمضائق والبحار القريبة منها التي تحولت مسرحا لحروب الاسناد لغزة بمختلف اشكالها، وهددت الاقتصادين الإقليمي والعالمي وخصوصا على مستوى المس بسلامة الخطوط البحرية لنقل النفط والبضائع بين القارات بأقل تكلفة.

على هذه الخلفيات، ليس من الواضح ما ستكون عليه تطورات الايام المقبلة، فهي تقاس بمدى رد “محور الممانعة” على مقتل قادته ونوعيته وتوقيته، وهو أمر لا يمكن تقديره، فكما نفذ الجانب الاسرائيلي عملياته في الضاحية الجنوبية لبيروت وطهران بعد المواصي والحديدة من دون اعلام اي طرف بمن فيهم الحلفاء، فليس متوقعا ان يعلن المحور عن الخيارات التي سيلجأ إليها. وهو ما قاد الى مجموعة من السيناريوهات “التشبيهية” التي كشف عنها قريبون منه، وتحدث احداها عن امكان ان تتوحد الساحات فتطلق الصواريخ والمسيرات بالآلاف يوميا من اليمن والعراق ولبنان وربما من طهران في اتجاه المنشآت الحيوية الاسرائيلية ومرافقها وربما مصانعها الثقيلة بما يترتب على مثل هذه العملية من نتائج كارثية تستدرج العالم الى حرب شهد العالم على نموذج منها قد يكون محدودا وبسيطا منها ليل 13 – 14 نيسان الماضي عندما اطلقت الصواريخ والمسيرات لتسعة ساعات من الاراضي الايرانية في اتجاه اسرائيل.

 

والى تلك اللحظة تكشف المراجع الديبلوماسية أن ليس من المفترض أن يعاد ذكر صاروخ “مجدل شمس” مرة اخرى. فالعالم الذي دان الحادث وأعلن دعمه الاعمى لاسرائيل ولم يتبن سوى روايتها الفارغة من اي منطق، وتجاهل اقواهم ما كان على علم اكيد به. ذلك أن ما تم في ذلك الملعب لم يكن لا من قريب ولا من بعيد نتيجة صاروخ “فلق” او خلافه من الصواريخ البالستية الذكية. وقد ابلغ احد الديبلوماسيين البارزين الى مسؤولين لبنانيين ان ما اصاب الملعب كان شظايا ناجمة عن صدام بين صاروخين أحدهما من القبة الحديدية وآخر من لبنان. ولذلك لا أثر لحطام او بقايا صاروخ او قذيفة مدفعية كاملة في الملعب. ذلك أن اي صاروخ مما جرى توصيفه وخصوصا ان كان من نوع “فلق” او حتى رأس من “صاروخ القبة” لكانت حصيلته أكثر من مئتي شهيد وجريح على الاقل وهو ما لم يحصل.

لكل هذه الأسباب وغيرها، تحاول المراجع الديبلوماسية البحث عن جواب لسؤال بات مطروحا بالحاح، وهو يبحث عما يرضي نتنياهو ليعلن تحقيق شيء مهم من أهداف حربه لتنتقل المنطقة الى مرحلة اخرى تتقدم فيها الخيارات السياسية والديبلوماسية على العسكرية. وهو أمر غير واضح المعالم في ظل فقدان الثقة بأي لقاء قمة وجهود اي دولة. والدليل أن العالم يرصد اليوم ما يمكن أن يحصل من خلال قرارات بعض شركات الطيران التي جمدت رحلاتها الى بيروت وتل ابيب واخطرها ما عبرت عنه احدى الشركات الالمانية بتأجيل عودتها إليهما الى الثاني عشر من آب المقبل. والى ذلك التاريخ ما علينا سوى التحلي بنعمة التروي والانتظار.