IMLebanon

إلى أي سقفٍ ستصل الاغتيالات؟

 

 

ثمّة هاجس مُستجد يعيشه الإيرانيون وحلفاؤهم على امتداد الشرق الأوسط. إنه هاجس الاغتيالات التي تطاول كوادرهم والأدمغة العسكرية والأمنية. فهل يتوقع الإسرائيليون رداً على الاغتيال بالاغتيال؟ وإلى أين يمكن أن يقود هذا الأسلوب؟

تحت ضغط الولايات المتحدة، قلّص الإسرائيليون حجم عملية التدمير والقتل الجماعي والتهجير التي أطلقوها في غزة، بعد 7 تشرين الأول، ودخلوا في نوع آخر من الحروب، قوامه تكنولوجيا التجسس والخرق المعلوماتي والضربات الخاطفة والتصفيات الجسدية بواسطة الصواريخ الدقيقة أو المسيرات، في غزة ولبنان ومناطق أخرى من الشرق الأوسط.

وهذا الأسلوب أفرزَ نتيجتين:
1 – تراجع أعداد الضحايا الفلسطينيين. ففي الشهر الأول من الحرب، جاءت المحصّلة هائلة، إذ سقط نحو 10 آلاف قتيل. وخلاله قام الإسرائيليون بتصحير مساحات واسعة من المناطق الآهلة والبنى التحتية والمستشفيات والمدارس. أما اليوم، وعلى رغم أن المحصّلة تبقى مروعة أيضاً، فإنّ أعداد القتلى تراجعت إلى ما دون الـ3 آلاف شهرياً.
2 – في الشهرين الأولين من الحرب، قاربت نسبة النازحين الـ60 %، أي نحو 1.25 مليون نسمة. وسعى الإسرائيليون إلى حشر هؤلاء عند بوابة رفح، سعياً إلى إحراج مصر ودفعها إلى فتح البوابة والقبول باستقبالهم في سيناء. وهذا الضغط مستمر، لكنّ حدته تراجعت، فيما تبقى عودة الغزيين إلى منازلهم رهينة تعقيدات كبيرة، لتعذّر إعادة إعمار المناطق المدمرة في المدى المنظور.
في الواقع، لم تستطع إدارة الرئيس جو بايدن أن تتحمّل تدفق شلال الدم بلا أفق، خصوصاً أن بنيامين نتنياهو فشل في المهلة القصيرة الممنوحة إليه في الرد على عملية «طوفان الأقصى» وإعادة الروح المعنوية إلى الجيش الإسرائيلي. ومع ذلك، تمادى محاولاً جعل غزة منطقة غير صالحة للعيش. ولذلك، يمارس الأميركيون ضغوطاً عليه لوقف الحرب والاستعاضة عنها بأسلوب «العمليات الجراحية»، أي بالتركيز على الأهداف العسكرية والرؤوس المدبّرة، على أن يفتح بعد ذلك باب التسويات السياسية. وفي اعتقاد الأميركيين أنّ هذا الأسلوب يحدّ من غضب الرأي العام العربي والعالمي إزاء ما يجري، كما يقلّص أكلاف الحرب التي يتكبدون هم جزءاً كبيراً منها.

وبدءاً من منتصف كانون الأول، عَمد الإسرائيليون إلى تكثيف عملياتهم الخاطفة في غزة وخارجها. وإذا كان نتنياهو قد اعتمد هذا الأسلوب للحد من حجم الحرب في غزة، فالأحرى أن يعتمده في لبنان، حيث يتجنّب فتح الجبهة على مصراعيها، أو على الأقل يرغب في تأجيل بحث هذه الخطوة إلى ما بعد الانتهاء من حرب غزة وتقويم نتائجها. وثمة عوامل تدفع بنتنياهو إلى المضي في اعتماد أسلوب الاغتيالات والضربات الخاطفة:
1 – يسعى نتنياهو إلى إظهار قوته وحزمه كمحارب، بهدف كسب تعاطف الإسرائيليين، في مواجهة الأزمات السياسية التي يتخبّط بها والملفات القضائية التي يلاحق بها.
2 – يستغل نتنياهو واقع التراخي العربي والانقسام السياسي الفلسطيني والسكوت الدولي لتوجيه ضربات إلى كوادر «حماس» و»الجهاد الإسلامي» من دون أن يلقى ردود فعل صاخبة.
3 – لا يريد نتنياهو بأي شكل أن يمنح إيران فرصة الاعتقاد بأنها قادرة على التمدد في الدول المحاذية، بحيث تصبح قادرة على تهديد إسرائيل عن قرب وتحريك القوى الحليفة لها على الحدود. ولذلك، وبدلاً من فتح حرب في غير موعدها المناسب، كثّف الإسرائيليون عملياتهم ضد الأدمغة الأمنية الإيرانية وكوادر «حزب الله».
وفي الواقع، يمكن لإيران أن تتراخى في الدفاع عن حلفائها في العراق أو في اليمن، للحظات معينة، لأنها في أي حال قادرة على استعادة النفوذ هناك بسهولة. ولكنها لا تتهاون إطلاقاً في الدفاع عن حليفها الأول «حزب الله» في لبنان، لأن الخسارة هنا قد لا يمكن تعويضها.

ومن هذا المنطلق، يحاول الإسرائيليون إقناع واشنطن وحليفاتها الأطلسيات بأن للجميع مصلحة مشتركة في التخلص من النفوذ الإيراني، خصوصاً في لبنان وسوريا، وأنّ وجود «حزب الله» القوي يحقق لطهران ثلاثة أهداف في آن معاً:
– أن تكون على تماس عسكري مع إسرائيل في حدودها الشمالية.
– أن تسيطر على الشاطئ الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، وتُمسك ببوابة الشرق الأوسط إلى أوروبا، وتجعل القارة الأوروبية في مرمى صواريخها الدقيقة.
– نتيجة امتلاك «الحزب» لغالبية القرار في السلطة، لم تعد الدولة اللبنانية قادرة على اتخاذ أي قرار خارج دائرة المصالح الإيرانية.
يريد نتنياهو إقناع واشنطن والغربيين بأنه من المناسب إضعاف «الحزب» في لبنان، بأيّ شكل، وإذا لم يكن ذلك بشن حرب شاملة فمن الممكن شَلّه بتكثيف العمليات الخاطفة والاغتيالات بين كوادره بحيث يُصاب بالإرباك. ولهذه الغاية، يستخدم نتنياهو القدرات التكنولوجية المتاحة للجيش الإسرائيلي، لا سيما في مجال التجسس والمعلوماتية.
ولكن، إلى أين ستصل هذه العمليات؟ وهل يتوقع الإسرائيليون أن تكون الحرب على لبنان بالطائرات المسيّرة أسهل من الحرب بالطائرات النفاثة؟ وكيف سيكون الرد؟ هل ستكون هناك اغتيالات تستهدف الكوادر الإسرائيلية في المقابل؟
أكثر ما يخشاه المتابعون هو أن يرتفع سقف الاغتيالات، فينتقل من مستوى الكوادر إلى مستوى قادة الصفوف الأولى. وسبق لإسرائيل أن قامت بذلك، كما أن الفلسطينيين واللبنانيين نفّذوا عمليات مقابلة، أبرزها قيام مجموعة «أبو نضال»، المُنشقّة عن «فتح» بمحاولة اغتيال السفير الإسرائيلي في لندن شلومو أرغوف. وهذا الحادث كان ذريعة إسرائيل لتنفيذ اجتياحها للبنان في العام 1982. فهل نقترب من صدمات مماثلة؟