باتت واضحة رغبة رئيس حكومة الكيان الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في تصعيد المواجهات مع قوى المقاومة في لبنان وسوريا والعراق واليمن، وبمشاركة أميركية وربما غربية استخباراتية أوسَع في بعض هذه الدول، من خلال عمليات الاغتيال التي طالت المستشار العسكري الايراني في سوريا رضى الموسوي وبعض مراكز الحرس الثوري و«حزب الله»، واغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» صالح العاروري في معقل الحزب بالضاحية الجنوبية في غارة جوية، والتفجير الرهيب في طهران الذي استهدف زوراً مرقد قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني، واستهداف قوات الحشد الشعبي أمس في العراق، لتحقيق هدفين أساسيين وبعض الاهداف الفرعية.
الهدف الاساسي الاول كما قال الرئيس نجيب ميقاتي وعدد من السياسيين اللبنانيين هو محاولة جَر لبنان الى حرب واسعة أو محدودة المكان والزمان، ومحاولة جر اميركا للمشاركة المباشرة في المواجهة ولو بحدود، لعلّ ذلك يُسهم في إخراج نتنياهو من مأزق الهزائم والخسائر التي يتعرض لها في حربه على جبهتي غزة وجنوب لبنان، ولم يحقق فيها اي هدف من اهدافه المعلنة، لا بِكَسر حماس والفصائل الفلسطينية الاخرى في غزة، ولا بإبعاد قوات المقاومة في لبنان عن الشريط الحدودي الذي يهدّد أمن المستوطنين وسلامتهم، عَدا تهديده لجيش الاحتلال في كل المواقع العسكرية، بحسب زعمه.
امّا الهدف الثاني الاساسي، فيكمن، بحسب مصادر سياسية وحزبية متابعة، في محاولة منح نتنياهو نصراً باهتاً ضعيفاً عبر اغتيال العاروري في قلب الضاحية الجنوبية، بما تحمله هذه العملية «المدروسة والمُخطط لها جيداً» من رسائل لطرفي المقاومة اللبنانية والفلسطينية «بأنّ اليد الاسرائيلية طويلة وقادرة». ومثل هذه العملية لا يمكن ان تتم من دون جهد استخباري جبّار ربما شاركت فيه دول اخرى، لتحديد مكان العاروري في شقة حارة حريك وموعد اجتماعه مع القادة العسكريين. وهو ما يدعو الى الاعتراف بوجود خَرق مخابراتي في المنطقة أمكَن تسهيل استهداف الشقة بذاتها التي يتواجد فيها العاروري من دون سواها.
هذا «النصر الباهت والضعيف» الذي أنكَره نتنياهو مخافة ردود الفعل الكبيرة والخطيرة عليه، والتي ستحصل بطريقة او بأخرى سواء من «حزب الله» او حماس، لا يغيّر في المعادلة القائمة بشيء جوهري. فلا اغتيال العاروري سيوقِف مقاومة حماس في غزة او ينهي وجود الحركة، ولا استهداف الضاحية الجنوبية سيُضعف «حزب الله» أو يوقف عمليات المقاومة من لبنان، والتي بلغت بعد الاغتيال 13 عملية في يوم واحد يوم الاربعاء، واستمرت امس الخميس بوتيرة عالية. امّا الرد الاميركي على محاولاته جَرّ الاسطول الاميركي في شرق المتوسط الى الحرب فكان بسحب حاملة الطائرات الاميركية «جيرالد فورد» والسفن المرافقة لها من المنطقة، ما يعني سحب عنصر قوة عسكرية كان يتّكِل عليها في حروبه.
قد يحاول نتنياهو الاستفادة من عمليات الاغتيال هذه عبر تجييرها في المفاوضات المرتقبة بينه وبين الموفد الاميركي آموس هوكشتاين الذي وصل الى تل ابيب، ومنها الى لبنان الاسبوع المقبل ربما، بهدف مواصلة الجهد لمنع توسيع الحرب، حيث استقبله امس وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت قائلاً: «نفضّل حل الصراع مع «حزب الله» سياسياً لكن الوقت ينفد، وملتزمون بإعادة السكان للشمال بعد تغيير الوضع الأمني»، لكن نتنياهو سيحاول فرض شروط جديدة للتهدئة على جبهتي غزة والجنوب، إلّا انّ التباشير الاولى لنتائج الاغتيالات كانت وقف حماس اي تفاوض حول مصير الاسرى لديها ومواصلة المقاومة للغزو البرّي الاسرائيلي لغزة في كل المحاور، وتعهّد ايران و»حزب الله» بالرد القوي، بغضّ النظر هل سيحصل فعلاً وكيف وأين وبأي طريقة ؟.
في السياسة الاستراتيجية لن تفيد عمليات الاغتيال نتنياهو بأي خدمة، بل هي عرقلَت مساعي الوسطاء الاميركيين والأوروبيين لا سيما الفرنسيين لتحقيق التهدئة في المنطقة، وأحرجَت ربما بعض حلفاء اسرائيل لجهة التوقيت وطبيعة الإستهداف وخَلق مزيد من التوتر بينما هي تزعم السعي للتهدئة، برغم الكلام عن «قبّة باط» تسمح لنتنياهو بتحقيق «انتصاره الهزيل» لعلّه يتراجع ويوقِف الحرب او يخفف اندفاعتها التدميرية المُحرجة للغرب ويفتح باب التفاوض مجدداً. فهل يتراجع؟
لا يمكن التكهّن بدقة بما ينويه الرجل، فحساباته الخاصة مختلفة عن حسابات حلفائه حتى الاميركيين، لكن سيُظهر الميدان مجدداً مسار المرحلة المقبلة، تراجع نتنياهو ام استمرار الوتيرة ذاتها من المواجهات صعوداً وهبوطاً.