شهد جنوب لبنان يوماً دموياً بشكل خاص، مع تنفيذ سلسلة من الاغتيالات المستهدفة لقادة «حزب الله» والجماعات المتحالفة معه.
بدأت هذه العمليات بطائرة مسيّرة إسرائيلية أطلقت صاروخاً أصاب سيارة رينو في منطقة ريفية، واستهدفت العملية عنصراً من «حزب الله»، وعندما حاول الهرب، تم إنهاء المهمة بصاروخ ثانٍ. حسبما أفاد تقرير لصحيفة «لوس أنجليس تايمز».
وفي اليوم نفسه، أصابت طائرة مسيّرة أخرى شاحنة في شمال شرق المنطقة، كانت تحمل قائداً في «الجماعة الإسلامية»، المتحالفة مع «حماس» و«حزب الله». وفي وقت لاحق من الليل، استهدفت غارة أخرى مبنى في بلدة جماجمة؛ مما أدى إلى مقتل علي معتوق، قائد رفيع في «قوة الرضوان» التابعة لـ«حزب الله».
هذه الضربات الـ3 كانت جزءاً من يوم عنيف بشكل خاص في جنوب لبنان، وحملة طويلة الأمد بين «حزب الله» وإسرائيل، حيث تمكّنت الأخيرة من القضاء على نحو 20 قائداً في الحزب اللبناني منذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، في إطار حملة التضامن التي أطلقها «حزب الله» عقب الهجوم الذي شنّته «حماس» على جنوب إسرائيل.
خرق أمني… أم تفوق تكنولوجي؟
في يونيو (حزيران)، قتلت إسرائيل سامي طالب عبد الله، البالغ من العمر 55 عاماً ورئيس منطقة جنوب شرقي «حزب الله»، عن طريق قصف مبنى كان يعقد فيه اجتماعاً سرياً مع 3 عناصر آخرين. وبعد 3 أسابيع، قتلت محمد نعمة ناصر، قائد منطقة الجنوب الغربي، بينما كان يقود سيارته في مدينة صور الجنوبية.
أحد أهم الأسئلة التي تواجه الحزب اللبناني هو: كيف تمكّنت إسرائيل من تحديد وتتبع وقتل كبار ضباط المجموعة، التي تشتهر بمستويات عالية من الأمن التشغيلي والانضباط.
تشير العمليات الأخيرة إلى وجود خرق أمني كبير في صفوف «حزب الله»؛ مما أتاح لإسرائيل تحديد وتتبع كبار ضباط الجماعة بدقة.
يقول اللواء منير شحادة، الذي خدم منسقاً للحكومة اللبنانية في بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة: «إن إسرائيل تعتمد على تقنيات تجسس متقدمة، وتعاون استخباراتي من دول أخرى».
وأضاف شحادة: «حصلت إسرائيل على أرقام جوالات أرضية ومحمولة غير معلنة، وتستخدم تقنيات طباعة الصوت والتعرف على الوجه لتعقب الأهداف».
وفي السنوات الأخيرة، اعتمدت إسرائيل على تفوقها التكنولوجي في جمع المعلومات الاستخباراتية، بما في ذلك استخدام الطائرات المسيّرة، واعتراض المكالمات الهاتفية، وزرع أجهزة تجسس متنكرة في شكل صخور أو قطع من القمامة.
إجراءات مضادة… وتحقيقات داخلية
رداً على هذه التهديدات، شدّد «حزب الله» من إجراءات الأمان، بما في ذلك قطع اتصالات الإنترنت بالكاميرات الأمنية، كما بثّ تعليمات للناس للامتناع عن التقاط الصور ونشرها عبر هواتفهم الذكية. أما بالنسبة لعناصره وعائلاتهم، فقد منع استخدام الجوالات الذكية تماماً، وأمرهم بدلاً من ذلك بالاعتماد على أجهزة النداء والبريد والمراسلات المشفرة عبر شبكة الخطوط الأرضية الخاصة به. كما طلب الأمين العام للحزب، حسن نصر الله، من عناصره تخزين جوالاتهم في صناديق فولاذية لفترات طويلة.
عزز الحزب اللبناني أيضاً، أمان شبكة الخطوط الأرضية الخاصة به بعد اختراق حديث أدى إلى اغتيالين على الأقل، وفقاً لمصدر أمني لبناني تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته.
ومع ذلك، فإن قدرة إسرائيل على اختراق هذه الإجراءات واغتيال القادة تشير إلى احتمال وجود جواسيس داخل صفوف الحزب اللبناني، خصوصاً مع الأزمة الاقتصادية في لبنان، التي تسهّل تجنيد العملاء بأموال بسيطة.
وتقول السلطات اللبنانية إنها قامت باعتقالات عدة وسط زيادة في محاولات جمع المعلومات الاستخباراتية. عديد من الذين تم القبض عليهم تورطوا بعد استجابتهم لإعلانات على وسائل التواصل الاجتماعي لوظائف في شركة عقارات مزعومة، ثم وافقوا على تصوير مواقع معينة، في البداية لم تكن حساسة، ولكن في النهاية مناطق أكثر تقييداً مثل الضاحية، الضاحية الجنوبية لبيروت حيث يقع مقر الحزب. تم القبض على أحد المشتبه بهم أواخر العام الماضي خلال قيامه برسم خرائط ثلاثية الأبعاد للشوارع هناك، مع مراقبة طيف الراديو نيابة عن شركة أجنبية يعتقد بأنها واجهة استخباراتية.
تورط أيضاً أجانب، ففي العام الماضي، تم القبض على مواطن روسي خلال محاولته الهروب من البلاد بعد أن تم تصويره وهو يحاول اقتحام مبنى مملوك لـ«حزب الله» في الضاحية.
قال علي الأمين، محلل ينتقد «حزب الله»: «طبيعة الحرب الجارية تعتمد على قاعدة بيانات ضخمة من المعلومات التي تستغلها إسرائيل في عملياتها».
وأضاف: «إن أمن (حزب الله) صارم، لدرجة أن إسرائيل ستضطر تقريباً للحصول على معلوماتها من الداخل».
انتصارات استخباراتية متبادلة
لم يكن «حزب الله» بعيداً عن تحقيق نجاحات استخباراتية، فشنّ هجمات مستمرة على بنية الاستخبارات الإسرائيلية على طول الحدود، مضعفاً قدرات الدفاع الإسرائيلي مثل القبة الحديدية. كما أصدر الحزب فيديو يظهر تصوير طائرة مسيّرة إيرانية الصنع لـ«قاعدة رامات ديفيد» الجوية في إسرائيل.
تداعيات النزاع
منذ بدء النزاع في أكتوبر، قُتل نحو 400 عنصر من «حزب الله» وأكثر من 100 مدني لبناني. كما أُجبر نحو 90 ألف شخص في لبنان على النزوح. وعلى الجانب الإسرائيلي، قُتل 21 جندياً و13 مدنياً، وأُجبر نحو 60 ألف شخص على الفرار من منازلهم.
تكشف هذه العمليات المستمرة عن صراع معقد يجمع بين التكنولوجيا الفائقة والتكتيكات الاستخباراتية، مما يثير تساؤلات حول المستقبل الأمني والسياسي للمنطقة.