IMLebanon

إحذروا مساعدة الغرباء واحذروا التدخّل بينهم

 

سرق الكلب وطالب بفدية… عرض المساعدة و”نظّف” السيارة

 

 

هل بات علينا أن نخشى النخوة والإندفاع والقلب الطيّب ونعتبر الجميع مصدر خطر حتى ثبوت العكس؟ هل يجب أن نعيش في خوف وحذر من الآخر كما هي الحال في دول الغرب ونتجاهل نداءات الإستغاثة متى سمعناها أو نخشى اللجوء إلى من يمد لنا يد العون خوفاً من شر يضمره لنا؟ هل صارت الإنسانية تهوراً أو حتى غباءً وصرنا كلنا مصابين بجنون الإرتياب؟ وضع لبنان ما عاد يسمح بطيبة القلب وحوادث الإعتداء المتفرقة شاهدة على ذلك.

مجموعة حوادث متفرقة علمنا بها عن قرب، لم نجد رابطاً بينها بداية لكن ما إن أمعنّا النظر حتى بدا لنا أن الجامع بينها هو الثقة العفوية بأشخاص غرباء لبنانيين أو من جنسيات أخرى في ظل التفلت الأخلاقي والأمني الذي يشهده البلد. ثقة كلفت أصحابها الكثير وقد تكلف غيرهم حياتهم. كأنها حرب ضد مجهول. ألم يحن الوقت للتسلح بسلاح الحذر واليقظة لأخذ الحيطة قبل وقوع المكروه؟

 

حرب ضد مجهول

 

الشابة انسولا أبو رجيلي اثارت قلق لبنان بأكمله بعد أن فقدت ظهر يوم الأحد بين أنطلياس وغزير. الرواية ليست واضحة المعالم لكن ما اشيع أن الشابة تعرضت لحادث سير بسيط في سيارتها واتصلت بأهلها طلباً للمساعدة وأخبرتهم بمكان وجودها ثم اطلعتهم أن شخصاً عرض عليها اصطحابها الى كاراج في منطقة غزير لتجد القطعة المطلوبة لسيارتها. وبعد ذلك انطفأ هاتفها ولم يعثر أهلها على أثر لها في المكان الذي أبلغتهم فيه بوجودها ولم يعد بإمكانهم التواصل معها أو معرفة أي شيء عن مصيرها والشخص المجهول الذى اصطحبها نحو الكاراج. فوراً انطلقت على مواقع التواصل حملة للبحث عن الشابة وتم إبلاغ القوى الأمنية ليتم الإعلان صباح الاثنين أن أونسولا عادت الى بيتها آمنة بعد أن سُرقت مقتنياتها الشخصية. ولم تشأ عائلتها التحدث عما اصابها لكن وسيلة إعلامية مقربة من العائلة أكدت تعرضها للسرقة دون الدخول في التفاصيل طالبة من اللبنانيين التنبه الى وجوب عدم التأمين لأي غريب مهما بدا قريباً و»منا وفينا»…

 

تدخّل لفض الإشكال …واشتعل

 

الشاب شربل كان عائداً من سهرة مع أصدقاء له وحين بلغ منطقة سد البوشرية قرب سوق الصاغة قرابة الفجر فوجئ بامرأة متقدمة في السن تطرق على نافذة سيارته وتصرخ طلباً للنجدة وتشير الى الحريق المندلع في الطابق السابع من إحدى البنايات وتصرخ أن امرأة رمت بنفسها من فوق لتهرب من الحريق. لم يتردد الشاب المندفع ولم يفكر لحظة بوجوب طلب المساعدة بل سارع الى تقديم يد العون لأشخاص لا يعرف عنهم شيئاً لكن ما يعرفه أنه ربما قادر على إنقاذ حياتهم. أسرع الى الطابق السابع ليجد هناك مجموعة من الأشخاص من التابعية البنغلادشية يتقاتلون ويرمون على بعضهم مادة المازوت أو الكاز قصداً والنار بدأت تندلع في أرجاء المكان. حين فهم ما يجري حاول الانسحاب لكن رذاذاً كان قد اصاب ثيابه وبلحظة اشتعلت فيه النيران. اندفع مسرعاً نحو الدرج ونزل سبعة طوابق محاولاً أن يطفئ نفسه لكن الحريق كان قد فعل فعلته في جسمه. وصل الى سيارته وانطلق مسرعاً نحو أقرب مستشفى وعند رؤية حالته طلب إليه التوجه نحو مستشفى الجعيتاوي المختص بمعالجة الحروق. وصل الى هناك « متفحماً» كما قال أحد أصدقائه وبحال سيئة جداً وحروق متقدمة.

 

شربل اليوم يخضع لعلاج لحروقه يحتاج أقله ثلاثة اشهر في غرفة معزولة تجنباً لالتقاط أية عدوى يمكن أن تفاقم وضعه. شاب في مقتبل العمر يحاول شق طريق المستقبل في وطن مليء بالعثرات والحفر والحرائق، وقع ضحية روحه الطيبة ونخوته وضحية تفلت أمني في بلد يعج بالغرباء الذين ما عادوا يخشون القوانين فيه ولا الملاحقات ويعيشون بدورهم ضغوط حياة يومية ساحقة تصيبهم كما تصيب جميع اللبنانيين. حياة شربل وأهله انقلبت رأساً على عقب في لحظة أريد لها أن تكون يد عون مباركة فإذا بها تتحول الى مصيبة كان يمكن أن تكون أسوأ لولا الرحمة الإلهية. حياتهم لن تعود كما كانت في الوقت القريب، فمن يتحمل مسؤولية ما حدث ومن يضبط الغرباء المعششين وسط الأحياء السكنية بلا حسيب أو رقيب؟

 

الحذر ثم الحذر

 

تتكرر الحوادث الصامتة من دون أن تلقى صداها في الإعلام وكأن ما يصيب الناس يبقى ضمن إطار الهمس والثرثرة المتداولة فيما هو أخطر من ذلك بكثير. إحدى السيدات كانت تقود سيارتها في ضاحية من ضواحي بيروت وبرفقتها ابنتها البالغة تسع سنوات من العمر. فجأة وجدت نفسها تصطدم بدراجة نارية ظهرت أمامها على غفلة أو أن سائقها ارتمى بدراجته أمام سيارتها قصداً. لم تستطع تحديد ما حصل فعلاً، لكنها سارعت الى النزول من سيارتها للتأكد من حالة السائق وأخبرته على الفور أنها مستعدة لنقله الى المستشفى لأن سيارتها مؤمّنة ضد كل الأخطار وأصرّت عليه لاختيار المستشفى الذي يريده. تفاجأت به يصرخ في وجهها قائلاً إنه يريد مالاً لا مستشفى، وحين رفضت إعطاءه أي مبلغ وأصرت على اتباع الخطوات القانونية اشتد صراخه. صعدت الى سيارتها وأقفلت الأبواب لتفاجأ به يأخذ حجراً ضخماً من الطريق ويرميه بعنف نحو زجاج سيارتها حيث تجلس ابنتها في المقعد الخلفي… ابنة السنوات التسع أصيبت في رأسها إصابة بالغة، فقدت النظر في عينها بعد أن تهشم رأسها لجهة الحجر وانكسر حنكها وأصيبت بنزيف جراء جروح الرأس… نقلت الى مستشفى قريب لتخضع على الفور لعملية جراحية تلتها عمليات أخرى وعلاجات استغرقت أكثر من أسبوعين…من يعيد الى هذه الطفلة حياتها من يمحو من مخيلتها صور الذعر الذي سيسكن قلبها وقلب أهلها الى الأبد ؟ من يعيد إليها توازناً صحياً ونفسياً؟ وهل هي مجرد حادثة أم جريمة موصوفة لا يزال مرتكبها غير معلن أو ربما لم يلاحق؟

 

تخبر صبية أنها أوقفت سيارتها جانب الطريق بسبب ارتفاع حرارة المحرك وفتحت غطاءه لترى وأمها ماذا بامكانهما فعله لتبريد السيارة. اقترب منهما شاب عارضاً مساعدة مشكورة وراح يدقق في المحرك ويطيل الشرح ثم نصحهما بالانتظار حتى تبرد السيارة وغادر المنطقة السكنية الراقية التي كانت الصبية ووالدتها فيها. عادت الصبية الى سيارتها لتفاجأ بأن الكمبيوتر المحمول قد اختفى سرق من داخل السيارة. وتوضحت لها عملية الإلهاء التي قام بها الشاب ليبادر شريكه الى سرقة محتوى السيارة في مثال جديد على وجوب الحذر من الغرباء مهما تمسكنوا وأظهروا حسن نوايا.

 

حتى الحيوانات باتت مصدر خطر على اصحابها فقد أورد احد المواطنين أن كلبه تعرض للسرقة بعد أن تودد أحدهم إليه بحجة ملاعبته ولم ير صاحب الكلب في ذلك سوءاً ليفاجأ بعد أيام بأن كلبه قد سرق والسارق يطالبه بفدية لإعادة الكلب. الكلب المسروق وجد في إحدى المناطق اللبنانية وطالبت إحدى مجموعات حماية الحيوانات الأليفة بالتنبه الى هذه الوسائل التي يستعملها السارقون لاستمالة الكلاب ومن ثم سرقتها. نعم لقد «وصلت المواصيل» الى الحيوانات ليتم استغلال طيبة قلب أصحابها وتعلقهم بها…

 

ويمكن ان نستمر ونستمر في سرد اخبار مماثلة معظمها لم يتم تقديم بلاغات شكوى فيه لكن تبقى الخلاصة واحدة: الحذر ثم الحذر. وبين الحذر والبارانويا أو جنون الارتياب خيط بسيط لا يجب تخطيه حتى لا تغرق حياتنا بالأوهام. البارانويا هي اعتقاد خاطئ يسيطر على الإنسان ويجعله يرى بأنه موضوع اهتمام الآخرين وأنهم يرغبون في التطفل على حياته واضطهاده أو التخلص منه، بالاضافة إلى الشعور بالتهديد من الأذى الجسدي حتى لو لم يكن في خطر بالفعل…

 

تجعل البارانويا العمل والعلاقات الاجتماعية أمراً صعباً على الشخص المصاب، وهي حالة تدل في العادة على مرض عقلي آخر أو اضطراب في الشخصية. لكن في لبنان يبدو أنها ستتحول الى مرض اجتماعي تتفاقم أعراضه مع تفاقم الاعتداءات والمخاطر الحقيقية لا الوهمية التي بات كل شخص عرضة لها في وقت ما.

 

لكن في المقابل هل يتحول الحذر الى لامبالاة واندثار للإنسانية؟ فبحسب بيان لقوى الأمن الداخلي عُثر على أوتوستراد ضبية جلّ الدّيب على جثّة سيّدة مجهولة الهويّة، صدمتها سيّارة مجهولة المواصفات والسّائق وقد نُقلت الجثّة إلى مستشفى «سرحال».

 

فهل وصلنا الى مكان تترك جثث الناس في أرضها ولا من يتدخّل ويمد يد المساعدة خوفاً او حذراً؟