لا تختلف الأسباب التي أدت إلى شلل الوضع الحكومي ومن ثم تجميد الدعوات لعقد جلسات مجلس الوزراء عن تلك التي افتعلت لتعطيل ممارسة مجلس النواب صلاحياته التشريعية وإحداث الخلو في سدة رئاسة الجمهورية. ففي الحالات الثلاث حصل الاعتداء السافر على الدستور والأعراف والمواثيق، ويكفي لتأكيد ذلك القول إنه مهما كانت الذرائع المؤدية إلى مثل هذا الفراغ الرهيب والمخيف لا يمكن ان تكون مبررة امام خطورة مثل هذا الفراغ.
فمجلس الوزراء له صلاحيات محددة ويضاف إليها بعد خلو سدة الرئاسة ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة عملاً بالمادة 62 ـ دستور. وبهذا فإن مجلس الوزراء يمارس صلاحياته المشار إليها في المادة 65 التي تحدد النصاب لانعقاده والتصويت على قراراته من دون أي تأثير للوكالة الرئاسية، فالوكالة تضيف إلى الصلاحيات ولا تنقصها. ولذلك، فإن القول إن التصويت المتعلق بممارسة الوكالة الرئاسية يتطلب أكثرية لم ينص عليها الدستور باطل قانوناً مهما كانت أسبابه وذرائعه، فالميثاق والوفاق والعيش المشترك والمناصفة وغيرها ليست إلا صيغ لحماية استمرارية المؤسسات ولا يمكن بأي شكل من الأشكال أن تكون منفذاً لتعرية الدولة من مؤسساتها. إن المادة 62 التي أناطت صلاحيات رئيس الجمهورية بمجلس الوزراء عند خلو سدة الرئاسة لم تضع قيداً ولا تصنيفاً آخر، فالقاعدة القانونية الثابتة والمستقرة تقول إن المطلق يجري على إطلاقه.
وانعقاد جلسات مجلس الوزراء يتم «بدعوة من رئيس هذا المجلس» أي رئيس الحكومة الذي «يضع جدول أعماله ويطلع رئيس الجمهورية مسبقاً على المواضيع التي يتضمنها وعلى المواضيع الطارئة التي ستبحث». فجدول أعمال مجلس الوزراء بموجب المادة 64 هذا منوط حصراً برئيسه. ويبدو واضحاً ان اطلاع رئيس الجمهورية على هذا الجدول يكون ملزماً إنما لا يأخذ طابعاً تقريرياً «يطلع الرئيس» وليس موافقة الرئيس، فلماذا هذا «الاطلاع» إذا كان لا يمكن لرئيس الجمهورية ان ينقص أو يزيد على الجدول؟
ان حق «الاطلاع» الوارد في المادة 64 ـ دستور جاء مبنياً على المادة 53 ـ دستور التي جاء فيها «يترأس رئيس الجمهورية مجلس الوزراء عندما يشاء من دون ان يشارك في التصويت»، فحضور رئيس الجمهورية جلسة مجلس الوزراء لا يمكن ان يبرر لرغبته في «الترؤس» فهو رئيس البلاد كلها. ولذلك فإن تبرير «الاطلاع» على جدول الاعمال لا يكون إلا افساحاً في المجال امام الرئيس ليرى ما إذا كان على الجدول مواضيع او قضايا تحظى عنده بوجهة نظر معينة ويريد مناقشتها وتصويب بعضها. ورئيس الجمهورية ليس معزولا عن جدول اعمال جلسة مجلس الوزراء، بمعنى ان ما كتب في هذا الجدول قد كتب، فإذا كان من موضوع يرى بحثه وتجاهله جدول الاعمال، فإن الفقرة 11 من المادة 53 تنيط به ان «يعرض أي امر من الأمور الطارئة على مجلس الوزراء من خارج جدول الاعمال». ومن هنا يتبين ان جدول أعمال مجلس الوزراء منوط عملياً برئيس هذا المجلس حصراً وبرئيس الجمهورية لجهة إضافة ما يريد اضافته. اما الوزير فليس له ان يقرر او يضيف، انما كونه «يتولى إدارة مصالح الدولة ويناط به تطبيق الأنظمة والقوانين»، كما جاء في المادة 66 دستور، فله ان يعرض الأمور التي تواجه ادارته، ومجلس الوزراء يتخذ القرارات في مناقشتها او تأجيل البحث فيها.
إن الشغور في سدة الرئاسة لا يعطل صلاحيات مجلس الوزراء التي تبقى مصونة، اما الصلاحية المضافة إلى صلاحيات هذا المجلس الأساسية بالوكالة عن الرئيس فتبقى خاضعة إجرائياً لأعمال مجلس الوزراء إن لجهة تقريرها ام لجهة رفضها إنما بالشروط التي يخضع لها مجلس الوزراء في ممارسة صلاحياته.
وتمكن الإشارة هنا إلى أن إطلاق الوكالة عن رئيس الجمهورية لا يشمل بعض الصلاحيات المصنفة ذاتية، بمعنى انها تخضع لمشيئة الرئيس ولا تفرضها النصوص، مثال ذلك منح العفو الخاص وتوجيه رسائل إلى مجلس النواب، وما جاء في المادة 59 لجهة حق رئيس الجمهورية تأجيل انعقاد مجلس النواب لأمد لا يتجاوز شهراً وغيرها، فمثل هذه الصلاحيات لا تنتقل بالوكالة الى مجلس الوزراء.
من هذه اللمحة، يتبين ان الذرائع التي افتُعلت لإحداث الشلل في مجلس الوزراء جميعها تؤكد أنها مستندة الى جهل او تجاهل بأحكام الدستور تماما كما في تعطيل جلسات انتخاب رئيس الجمهورية ومصادرة صلاحيات مجلس النواب التشريعية. أما لماذا مثل هذا التناغم الذي أدى الى تحويل مؤسسات الدولة إلى رجل من قش ولا من سائل يجرؤ على البوح بالأهداف التي أرادها بمشاركته هذه الجريمة الوطنية؟ هل هناك من سائل أم ان شهر الصوم امتد إلى الكلام؟