يأتي الاعتداء على رئيس لائحة “شبعنا حكي” الجنوبية الزميل علي الأمين كخبر مقلق للغاية، في سياق تصاعدي من الاختبارات الخشنة المتفرقة عشية الاستحقاق الانتخابي انما التي بدأت تراكم مناخاً ضاغطاً على بعضها البعض، خاصة ان لم يجر التحرّك بسرعة وحزم لمعالجة هذا المسار.
الكشف عن ملابسات الاعتداء على المرشح الأمين، واتخاذ كافة الاجراءات والتدابير ذات الصلة، هو اقل ما يقال في هذا الصدد. كما ان المعتدى عليه سأل اين هيئة الاشراف على الانتخاب، وهناك في الاساس اخذ ورد حول اختصاص الهيئة ومآلها ومصيرها، لكنّ هناك ايضاً مناخاً مطلوباً يحتاج اليه البلد لتأمين أمن الاستحقاق نفسه في الاسبوعين المقبلين.
بالدرجة الاولى، لا يمكن ان تقوم انتخابات على اتاحة المنافسة في مناطق وجعلها مشتبهاً بها او مرذولة في مناطق اخرى، مثلما انه في المقلب الآخر، ثمة نغمة آخذة في الانتشار يتذرع فيها كل طرف بالخروقات والانتهاكات الحادثة في الشارع الآخر، وهذا بحد ذاته خطر، وان كان “فائض القوة الميدانية” ليس هو نفسه في بلد يعاني قبل اي شيء آخر من مسألة امتلاك فريق دون الفرقاء الآخرين لترسانة من الاسلحة.
في الانتخابات التي كانت تجري في ما مضى على اساس نظام التصويت الاكثري، انتشرت ثقافة غير ديموقراطية تتعامل مع “المعركة الانتخابية” كما لو كانت امراً سلبياً، يضطر عليه الناس ما لم تتأمن التزكية الحاسمة لصبغة الدائرة. تراجعت هذه الثقافة بشكل واضح في استحقاق 2009، حين عرف البلد لاول مرة بهذا القدر، معركة انتخابية شاملة بين ائتلافين كبيرين ينشط كل منهما في معظم الدوائر، 8 و14 آذار. واليوم، مع القانون الجديد هناك رغم كل السلبيات اطار يحثّ على الاقل على تأصيل المنافسة الانتخابية على انها هي، لا التزكية، الامر الطبيعي في اي انتخابات. وبالفعل، تشهد هذه الانتخابات عددياً، مساحة اوسع من التنافس، وان كان بتفاوت بين المناطق والطوائف، وتفاوت يعكس على طريقته حجم التفاوت الذي تفرضه معادلات التغلب والسلاح في الداخل اللبناني.
بيد ان التنافس الانتخابي، الذي ينحو القانون الحالي الى اعتماده على انه الامر الطبيعي في الانتخابات، وليست التزكية هي السلام الانتخابي المرغوب، هو في نفس الوقت تنافس قلّما تُبدي الاطراف التي تخوض الانتخابات قابلية لتبنّيه كروحية مواطنية اساسية. الانتخابات، تكاد تُخاض في كل دائرة، من موقع كل لائحة، “ضد مجهول”.. مجهول معلوم، انما لا مناظرة معه، لا مساحة للمقابلة بين ما يطرحه وما يطرح في مواجهته. كما لو ان الاخصام “متوازون” وليسوا “متواجهين”. يحصل هذا على الصعيد الاجمالي، لكنه يتخذ حيثية اكثر خطورة في المناطق الخاضعة لمعادلات السلاح وفائض العنف. وفي وقت تركزت المتابعة على مجرى الامور في دائرة بعلبك الهرمل على هذا الصعيد، يأتي خبر الاعتداء على الزميل علي الامين ليطرح الموضوع بإلحاح أكبر. الايام المقبلة هي استحقاق ما قبل الاستحقاق: تأمين السبيل لأجواء اكثر هدوءاً للاستحقاق، من دون اوهام حول الواقع المتفاوت في الحريات الانتخابية بين المناطق، انما الحد الادنى الذي لا بد من مراعاته كي تكون هناك انتخابات.