إستطاع النائب عاصم عراجي أن يؤدي دوره في رئاسة لجنة الصحة النيابية بعناية ودقة، يشخّص المشاكل وينكب على إيجاد الحلول. تفوّقت شخصيته كطبيب على واقعه كنائب وسياسي، فأردت حزبيته لصالح مهنته وتمكن ان يعلي شأنه الوطني على إطاره التنظيمي، فخرج من قفص الحزبية الضيق الى باحة الإعجاب الواسع الذي حازه من خصومه قبل حلفائه. نجح عراجي في تفعيل دور لجنة الصحة النيابية في ظل ظروف بالغة الصعوبة والتعقيد ان كان على المستوى السياسي او الاقتصادي او الطبي، حيث اثبت بتعاونه الدؤوب مع وزير الصحة حمد حسن ان الشأن الوطني اذا ما تولاه أشخاص بهذا الإدراك وحس المسؤولية، يرتقي الى فوق صفوف التحزب التي تقيد أصحابها بأغلال وقيود من التعصب حتى غدت صفة عامة للعاملين في الشأن العام، في ظل انقسام حاد يعيشه لبنان ولَم يشهد مثيلاً له سابقاً. الطبيب “الآدمي” متخصص في أمراض القلب والشرايين في الجامعة الأميركية، من مواليد بر الياس عام 1953، يؤخذ عليه اندفاعه في عمله “زيادة عن اللزوم احياناً”، لدرجة انه يحمل نفسه مسؤولية في حال ساءت الاحوال لكونه “صاحب ضمير”.
كان في الرابعة من عمره يوم توقف قلب والده فتولت والدته تربيته، نشأ في منزل محب لخدمة الناس، لا يعرف الى الانقسام الطائفي او المذهبي طريقاً، عائلته مؤيدة لكميل شمعون وتربطها علاقة جيدة مع الامير مجيد ارسلان وخاله مؤيد لكمال جنبلاط. الانقسام كانت معاييره مختلفة لم يكن كاليوم انقساماً طائفياً ومذهبياً”. ايامه القاسية في شبابه جعلته يكره الحرب التي لم ينس أصعب أيامها حيث كان يتولى توزيع عينات الدواء المجانية التي تمنح للاطباء على المحتاجين بنفسه. النائب الذي اختبر النيابة للمرة الاولى مرشحاً على لائحة “التيار الوطني الحر” قدمه صديقه سليم عون الى الجنرال ميشال عون عام 2005 وصار نائباً وعضواً في الكتلة الشعبية النيابية برئاسة الياس سكاف، احرجه تفاهم التيار مع “حزب الله” في عزّ الانقسام واستخدمه خصومه ضده فارتأى ان يصارح عون برغبته في الترشح الى جانب “تيار المستقبل”. تفهم الجنرال “موقفاً كان سيفعله اي شخص غيره”، ويقول عارفوه ان ترشحه مع “تيار المستقبل” يتناسب وقناعاته ولو ان “المستقبل” كان تبنى ترشيحه عام 2005 لما كان ترشح الى جانب “التيار الوطني”. بكل صراحة وصدق كان الى جانب “التيار” وبكل صدق غادره.
نائب “المستقبل” الذي يختبر النيابة للمرة الثالثة يقول ان الفضل في انتخابه “يعود للناس التي صارت خدمتهم واجباً وحباً” لا يمله. الوفي حتى لمرضاه قد لا يتردد عن السهر في غرفة العناية للاطمئنان الى صحة مريضه. مسؤوليته في زمن “كورونا” دفعته للاطلاع على اسرار هذا المرض وطرق مواجهته ولا يردّ فقيراً قصده للشفاء من “كورونا”. في عملية حسابية سريعة اظهرت له ان كلفة مواجهة “كورونا” في الايام العشرة الاولى لمريض من الدرجة الثانية تتجاوز مليوني ليرة، فكيف لفقير ومحدود الأجر ان يواجه مرضه “والله العظيم ناس كثر ماتوا ولم يستطيعوا الاستعانة بماكينة اوكسجين بينما ناس سرقت المليارات وآخرون يدفعون الثمن”.
يؤسفه كيف صار كل شيء في هذا البلد خاضعاً للسياسة حتى “كورونا” صارت سياسية، بينما يفترض الوباء الوقوف يداً واحدة الى جانب العالم. الطبيب الذي يعمل بمعدل 18 ساعة يومياً الى جانب مهامه كرئيس لجنة نيابية تراه لا يمل من مسؤولياته. كل سنوات عمله لم تمكنه من امتلاك شقة ما يضطره للتنقل يومياً بين عمله في العاصمة ومنزله في شتورة، وهو لا يزال يسدد أقساط قرض مصرفي: “المهم صحتنا منيحة واولادي مناح ورضى الوالدين هو الاهم. كثر جنوا الاموال وذهبوا ضحية كورونا”. بفخر يتحدث عن اولاده، كبيرهم الطبيب في نيويورك والذي شفي مؤخراً جراء اصابته بـ”كورونا”، والاصغر المهندس والابنة المحامية “اسسوا ذاتهم بذاتهم ولم يتكلوا على احد”.
النائب الذي تفوضه كتلته النيابية فعل ما يراه مناسباً في موضوع “كورونا” يتحدث عن علاقة طيبة تربطه بوزير الصحة الحالي حمد حسن وسلفه جميل جبق: “لا ندخل الشأن السياسي في عملنا ولا نتحدث سياسة وانما نتفق على مسائل تخص الناس وصحتهم وما الذي يتوجب علينا فعله لمواجهة انتشار كورونا”. طبيب القلب يشكو بمرارة من انعدام القيم والفساد المستشري. علتان عصيتان على العلاج “نحتاج الى اجيال لنغير في واقعنا”. ويأسف كيف ان لبنان الذي عرف كمستشفى الشرق الاوسط يعاني قطاعه الطبي اليوم وينازع. يتمنى تشكيل حكومة بأسرع وقت كي يمنح لبنان مساعدات، ولدى اجتماعه ووزير الصحة مع وفد البنك الدولي لمس اهمية هذا الطلب دولياً. النائب الذي يتجنب الخوض في حديث السياسة على امتداد عمله في اللجان النيابية مقدماً عليها شؤون الناس وهمّ القطاع الطبي، يقسِم انه لن يسكت اذا ما شهد فوضى في توزيع اللقاحات او ان سطت الاحزاب على اللقاحات ويقول: “اليوم نعقد اجتماعاً مع الجهات المعنية واذا لمست اي تقصير أو فوضى سأفضحهم. طوال مسيرتي المهنية لم احمّل ضميري ولن احمّله اليوم اي خطأ اراه”.