IMLebanon

أهبل أو شاطر!

فجأة، صار الفساد على كل شفة ولسان، كأنه أمر مستجد على اللبنانيين، أو كأن هؤلاء مقطوعون عن ماضيهم، أو كأن الفساد لا يكون فساداً إذا كان مردوده تحت الملايين، وبالدولار طبعاً.

الفساد في لبنان نمط حياة. وللناسين أن يتذكروا ما كان يرويه فؤاد شهاب، رئيس النزاهة في تاريخ الجمهورية، ورافعها الى مستوى الدولة. كان يقول إن الوالدة اللبنانية لا تسأل ابنها عن قيمة راتبه، بل عن “البراني” الذي يتصيده.

ولأن الفساد نمط حياة، تمر عشرات السنين على فضيحة الأملاك البحرية، القديم منها، والمستجد (مرافئ أمراء الحرب والصفقات)، ولا من يجرؤ على طلب استردادها، أو إرغام مستغليها على سداد بدل استثمارها. والأمر نفسه مع النفط والغاز البحريين المؤجلين حتى يتفق “الغيورون” على ثروات لبنان، ممن ليسوا أصحاب اختصاص

ولأن الفساد نمط حياة، يتساءل كل لبناني، عند الاعلان عن تلزيم مشروع، أو اصدار قانون: كم هو المبلغ “المسرّب” منه، أو عبره، الى جيوب النافذين، ليس من باب الإدانة، بل من زاوية الاعجاب بـ”الشطارة”. فالمختلس، في بلاد الأرز، شاطر “بيعرف يدبر حاله”، والأمين النزيه “طيب” أو “آدمي” بمعنى ساذج وحتى “أهبل”.

والفساد، في وطن جبران خليل جبران، درجات، من سمسرات الدوائر والادارات، في كل الوزارات، الى الصفقات. والصمت في الحالتين، جزء من الفساد الوطني.

للتذكير، في عهد الحكومة السابقة، كشف الوزير غازي العريضي عن تهريب جمركي في المرفأ يفوِّت على الدولة سنوياً ما لا يقل عن مليار دولار. لم يهتز جفن حزب الأمين العام، المعني بالتهمة. مع ذلك يقول وزير المال الحالي “إن الاجراءات التي اتخذت رفعت مستوى الضبط الجمركي”. من يمكنه أن يصدق؟

قبله، حاول وزير العمل قوننة الرشاوى في وزارته التي يعرف القاصي والداني انها، تاريخياً، ومنذ عهد الوصاية، من أهم أوكار الفساد وأشهرها.

ليس المجال لعرض مواقع الفساد، فهذه تتزايد بتزايد هزال المؤسسات الرقابية، التي تهاوت “وهرتها” مع اشعال الحروب في لبنان، ونهش قوى الأمر الواقع سلطتها. هل تذكرون ما بنته “البيئة الحاضنة” على الأملاك العامة في “الرمل العالي” والاوزاعي؟

لكن قمة الفساد، وذروته، اجهاز فئة، بالمعنى السياسي والديني والمذهبي، على احتكار الدولة للقوة، لا سيما العسكرية، ومجاهرتها بالتبعية لدولة خارجية، وتجرؤها على “إلغاء” نتائج الانتخابات، بفرض “الوفاقية” في ادارة الحكم، ما جعل الجميع في الحكومة وخارجها، في آن واحد، ومنع محاسبتها. فمفهوم الوفاقية محيّر: هل هي بين الطوائف (بسبب الثنائية الشيعية المهيمنة تحديدا)، أم هي سياسية (بسبب هيمنة سلاح الامين العام)، أم هي عددية بسبب “نظرية” الأمين العام نفسه عن الاغلبية الشعبية مقابل الاغلبية النيابية؟

مع ذلك، “يفاجئنا” الفساد؟!