IMLebanon

“العاصي” متنفّس الناس و”الترويت” وجهتهم بعد غلاء اللحوم والدجاج

 

 

 

يخالف نهر العاصي في الهرمل الأنهار اللبنانية كافةً في جريانه عكس التيار، فهو العاصي على الطبيعة بغزارته التي لا تنضب، يفترش ضفّتيه بالإخضرار الذي رسم لوحةً ربانية وسط منطقة جرداء شاءت أن يكون شريانها الذي يمنحها الحياة، ويرفد جيرانه بوافر الخير ويمدّهم بالرزق لتتكسر على شلالاته مصاعب الحياة وكل محال.

 

كثيرةٌ هي المعالم الطبيعية التي يتميز لبنان بوجودها وتضفي عليه جماليةً يتمنى آخرون أن تكون في بلدانهم، ويشتهر البقاع الشمالي بـ”نهر العاصي” أحد أهم المعالم التي رسمها الله في الطبيعة، وبـ”قلعة بعلبك” وقد أعطى الإنسان القديم تلك القدرة على البناء والزخرفة التي لا تزال سرّ تلك الحضارات. ولأن سياسة الدولة الإنمائية لم تكن يوماً ذات إهتمام في الأطراف والمناطق النائية التي اعتبرتها في وقت من الأوقات رديفاً لها، أبقى الزمان صفة الإهمال عليها وحارب أهل المنطقة باللحم الحي لتكون تلك المعالم سبيلاً لهم في رزقهم، ومقصداً لمختلف أشقائهم على مساحة لبنان الواسعة يشاركونهم هذا الهواء النقي والمياه العذبة وتلك النقوش الصخرية المحفورة في جوف الزمن.

 

عند مدخل مدينة الهرمل يستقبلك نهر العاصي بهدير مياهه القوي الذي يندفع نحو الشمال بإتجاه سوريا، حيث تنتشر على ضفتيه المليئتين بالأشجار التي نبتت مع النهر عشرات المطاعم والمقاهي والمنتزهات والفنادق التي تشكل مصدر رزق لأهالي الهرمل وأصحاب الأراضي على جانبيه، وشكلت الطبيعة بمناظرها الخلابة والينابيع التي تتفجّر من الصخور عامل جذب للباحثين عن الهدوء والسكينة، ونشطت هناك تربية أسماك “الترويت” النهري ويقصدها اللبنانيون من المناطق كافة لتذوق السمك الطازج على ضفاف النهر، وظهرت أيضاً خلال السنوات الأخيرة رياضة “الرافتينغ” التي أصبحت مورداً يضاف إلى سجل العاصي الحافل بالخيرات.

 

يشكل قطاع تربية أسماك “الترويت” مورداً مالياً اساسياً لأبناء الهرمل وخصوصاً جيران ومالكي الأراضي قرب حوض نهر العاصي، فهو النهر الأفضل من حيث نقاوة مياهه ودرجة حرارتها وسرعة جريانها وانسيابها وغناها بالأوكسيجين لتربية “الترويت” بلونيه الأحمر والأبيض، ويؤمن القطاع للشباب مئات فرص العمل، وتتزاحم المسامك على ضفتي النهر كتزاحم المقاهي والمطاعم حتى زادتها عدداً، ليصل إنتاجها السنوي إلى ألفي طن من الأسماك ويمكن زيادته إذا ما وجد الإهتمام وتصريف الإنتاج وتأمين الدعم، ما يعود بملايين الدولارات على المربين وأهالي المنطقة.

 

علي علاو صاحب مطعم “روتانا” على ضفة نهر العاصي وأحد مربي الأسماك هناك أشار في حديث لـ”نداء الوطن” الى “أن الحركة السياحية على ضفاف نهر العاصي جيدة نوعاً ما مقارنةً مع الوضع السياحي العام، وبعكس باقي القطاعات التي يشكو أصحابها فقطاع تربية أسماك “الترويت” لا يزال كما هو، فالإنتاج جيد وهناك حركة بيع وتصدير إلى الخارج والأسعار التي نبيع فيها جيدة”، مستطرداً بأن “حركة سوق بيع السمك اليوم أفضل من سابقاتها وذلك بسبب غلاء اللحوم التي وصل سعر الكيلو فيها إلى 150 ألف ليرة والدجاج إلى 50 ألفاً مقابل 35 ألف ليرة لبنانية لكيلو السمك ما دفع بالناس إلى الإقبال على “الترويت” بنوعيه الأبيض والأحمر، ومقابل ذلك فالربح الذي نحققه مقبول بالرغم من غلاء الأعلاف”، وقال “إن عدداً من مربي الأسماك حصل في وقت سابق على أعلاف مدعومة وبنسبة قليلة، واليوم وبالرغم من فقدان الأعلاف المدعومة لا تزال التكلفة مقبولة نوعاً ما والربح أيضاً”، نافياً إستخدام مخلفات الدجاج أو أي أعلاف غير صحية في تغذية الأسماك، “فالإعتماد اليوم على الأعلاف فقط ونشتريها بالدولار، وهناك مراقبة من بلديات المنطقة وفاعلياتها ومن الجهات الحزبية الفاعلة والتي تعمل جاهدةً على منع التلوث عن نهر العاصي”، مضيفاً بأن “تكلفة الأعلاف اليوم توازي تكلفة مخلفات الدجاج وغيرها تلك التي كانت تستخدم سابقاً وبالتالي لا إستخدام لها”.

 

وحول إنشاء سوق سمك في الهرمل لتنظيم عملية البيع أشار علاو الى “أن سمك “الترويت” ليس بحاجة لسوق بعكس الأصناف الثانية فهو يباع طازجاً ومن المسمكة مباشرةً”. وأضاف ” بالرغم من غلاء أسعار المواد الأولية كالزيوت والطحينة وغيرها لا تزال الأسعار في مطاعم ومقاهي الهرمل أفضل من باقي المناطق، فسعر كيلو السمك المشوي على الطاولة في مطاعم العاصي بـ 45 الف ليرة لبنانية، وهناك إقبال على المنطقة بالرغم مما يجري في بلدنا بسبب حكامنا، فالعاصي متنفّس الناس والفقراء”، مطالباً الدولة “بتأمين الأعلاف المدعومة لتأمين استمرارية هذا القطاع ونجاحه، فدعم الأعلاف ينعكس إنخفاضاً بسعر السمك”.