لم تخطئ الحساب «الهيئة العليا للمفاوضات« بإعلانها تأييد عقد محادثات الآستانة في الثالث والعشرين من الشهر الجاري وبرعاية روسية – تركية. بل أن موقفها ليس إلا خبراً سيئاً بالنسبة إلى إيران وتابعها رئيس سوريا السابق بشار الأسد.
محادثات الآستانة محطة على الطريق وليست خاتمته. ومثلها في المحصلة، مثل سابقاتها التي جرت في أوروبا الغربية وأكدت أن الإقفال في الملف السوري يتمدد ويترسخ وليس العكس.. وأن معظم «الجهود» واللقاءات والاجتماعات والنشاطات ذات الطابع السياسي والديبلوماسي العابر للقارات لم تكن سوى لرفع العتب وتعبئة بعض الفراغ المعيب من قبل إدارة مستر أوباما أساساً ومحاولة (منها) للقول للعالم إنها لا تكتفي بالتفرج على نكبة السوريين وتمدد نفوذ الإيرانيين ثم الروس، وإنما «تسعى» جهدها لوضع خريطة طريق لما يسمى «حل» الأزمة!
من سوء حظ السوريين وكل المهمومين والمتوجّسين من عودة بروز النزاعات المفتوحة السابقة على انهيار «المعسكر الاشتراكي» (العظيم!) ومن احتمال السقوط في التجربة مرة أخرى وردّ الاعتبار لأنظمة التوحّش والقسر (إذا استدعت مقتضيات التسليح العسكري وصناعة الحروب ذلك مثلاً!).. من سوء حظ هؤلاء كلهم، أن إدارة أوباما سعت إلى كل شيء سوى إلى الحل الفعلي للنكبة السورية! بل رعت وبدأب عجيب التراجع المتدرّج لمقومات أي حل وشروطه! وحرصت بين «جنيف واحد» وجنيف-2» ثم «جنيف-3» وعلى هامشها من محطات تفاوضية في فيينا وغيرها، على ضمان تراجع سيطرة المعارضة المسلحة على الأرض في أكثر من منطقة، بما يبرّر التراجع السياسي! وصولاً إلى الوضع الراهن حيث لا أحد يعلم تماماً ما هي «آخر» الطروح التسووية فعلياً!
صحيح أن الآستانة معنية بالوضع الميداني أكثر من السياسي لكن الأصح هو أن الثنائي الإيراني – الأسدي لا يفصل بين الأمرين انطلاقاً من موقفه الرافض لأي شيء اسمه تسوية أو حل سياسي.. كان موقفه كذلك عندما كان متراجعاً ميدانياً إلى حدود حافة الانهيار الأخير، فكيف الحال اليوم وهو يشعر أن الدفة انقلبت لصالحه ضد المعارضة بكل ألوانها.. وليس فقط تلك المصبوغة بلون الإرهاب!
وبرغم ذلك، فإن الآستانة عنوان محرج أكثر من محاولات جنيف. وأكثر إزعاجاً وضرراً بالنسبة إلى ذلك الثنائي المتحفّز لمواصلة المذبحة! بل المفارقة هي أن الإيرانيين (خصوصاً) راكموا الكثير في حسابهم وحساب تابعهم الأسد طوال المرحلة الماضية عندما كان المفاوض الأوبامي في موقع الضد! لكنهم اليوم مطلوب منهم «التنازل» وعدم الاستثمار في «انتصار» حلب! ثم العودة إلى اعتماد «المسار السياسي».. وصاحب الطلب ليس سوى حليفهم الروسي!
والأنكى من ذلك، هو أن مؤتمر الآستانة يأتي لمواكبة قرار الهدنة ووضع آلية لمعاقبة منتهكيها! وهي الهدنة المرعية والمضمونة من قِبَل الروس والأتراك معاً!
وإذا كانت تلك أنباء سيئة لقاسم سليماني وبشار الأسد، فإن الأسوأ قد يأتي من جنيف في الثامن من الشهر المقبل، أي بعد أن تكون الإدارة الأميركية الجديدة جلست في البيت الأبيض! وبعد أن يكون «التفاهم» بين أنقرة وموسكو ترسّخ أكثر فأكثر في مدينة الباب في الريف الحلبي!
.. المعادلة بسيطة: ما يزعج المحور الإيراني – الأسدي يجب أن يريح المعارضة العسكرية والسياسية. ومؤتمر الآستانة جزء من تلك المعادلة..