السيناريو الروسي في سوريا أوسع منها في الحسابات الاستراتيجية والجيوسياسية وأضيق منها في الواقعية الجغرافية. وهو طويل ومركّب يدار بدهاء عبر شيء من المرونة واللين وكثير من الصلابة والعنف. وليست محادثات استانة سوى فصل من السيناريو لتنظيم الخلاف وقواعد اللعبة الجديدة بين اللاعبين القدامى. أميركا والأردن في دور المراقب. ممثلو النظام والمعارضة حاضرون في الجلسات. واللعبة تدار بين القوى الاقليمية والدولية. روسيا وايران وتركيا في الشمال والوسط. روسيا وأميركا في الشرق والبادية وعلى ضفتي وادي الفرات. وروسيا وأميركا والأردن، واسرائيل ضمنا، في الجنوب.
ذلك ان جدول الأعمال في محادثات استانة محصور بالمسائل الأمنية، وسط تأكيد موسكو ان استانة محطة على الطريق الى جنيف، وتخوف معارضين من أن تكون البديل من التسوية السياسية. وليس ترسيم الحدود ل مناطق خفض التصعيد وتركيب الاجراءات الأمنية التي تقوم بها الدول الضامنة سوى مرحلة في فصل تفكيك الحرب ضمن السيناريو الروسي. فمن جهة، ضمان الهدنة في مناطق عدة مع بقاء القوى المتصارعة في مواقعها محتفظة بأسلحتها. ومن جهة أخرى تركيز الزخم العسكري على انهاء دولة الخلافة الداعشية.
وليس قليلا ما سبق مرحلة تفكيك الحرب من نقاط تحوّل في حرب سوريا على مدى سبع سنوات. وفي البدء كان قرار المرشد الأعلى علي خامنئي خوض الحرب الى جانب النظام دفاعا عن الجسر السوري لمحور الممانعة بقيادة ايران نقطة بارزة في مرحلة تحول. كذلك الأمر بالنسبة الى ما لعبته تركيا والسعودية وقطر ودول أخرى من أدوار في دعم مجموعات معارضة بالمال والسلاح. لكن الأضواء تركزت في النهاية على نقطتي تحول مهمتين: واحدة بالغياب، واخرى بالحضور.
الاولى هي تراجع الرئيس باراك أوباما عن الخط الأحمر الذي رسمه، عندما بلع كلامه على رحيل الأسد وأوقف الضربة العسكرية المقررة على خلفية استخدام السلاح الكيماوي في الغوطة. لا بل ان فريديريك هوف الذي كان مسؤولا في ادارته يعترف بأن إجبار الأسد على الرحيل بمعيار أهداف الأمن القومي التي تخدمها استراتيجية لم يكن عاملا في سياسة أميركا وترجمة ذلك: لا خطة أميركية لتغيير النظام.
والثانية هي إقدام الرئيس فلاديمير بوتين على رسم خط أحمر آخر بدخول روسيا الحرب والقول للجميع: ممنوع اسقاط النظام بالقوة. وهذا ما فهمه أوباما، ثم ترامب. وما رفضت دول ومعارضات فهمه أو تجاهلت قراءة المعنى الاستراتيجي لانخراط دولة مثل روسيا في الحرب.
والتحدي الآن هو ان يقود أو لا يقود تفليك الحرب الى سلام واحد ضمن تسوية سياسية شاملة.