لم تكد موجة الهلع من لقاح «أسترازينيكا» تستكين حتى عادت إلى الواجهة مجدداً مع حادثتي وفاة كل من محمود الحلبي (30 عاماً) وجان المعلوف (57 عاماً) بعد تلقيهما الجرعة الأولى من اللقاح. فقد ضرب هذا الموت الثقة باللقاح والتي عُمل على بنائها بـ«الشبر والندر»، وضرب في طريقه المسار الذي كان قد سلكه «استرازينيكا» الذي لُقّح به حتى لحظة سريان خبرَي الوفاة نحو 50 ألفاً.
لا إثبات على وجود رابط بين التجلطات التي حدثت لدى الضحيتين وبين اللقاح. فحتى اللحظة، لم تنه لجنة اليقظة الدوائية تحقيقاتها في هذا الشأن، «كي يبنى على الشيء مقتضاه» على ما تقول مصادر. إذ إن هناك درباً طويلاً من الفحوص الطبية «التي قد يلزم إجراء بعضها في الخارج لأنها فحوص دقيقة»، على ما يقول رئيس لجنة الصحة النيابية عاصم عراجي، مشيراً الى أن «ما هو سار الآن مجرد تكهنات وتحليلات». أما في المنطق الطبي، فلا شيء محسوماً حول ما إذا كان اللقاح هو السبب، أم أنه مجرد حظّ عاثر. مع ذلك، تحاول مصادر طبية استشفاف النتائج مما تقوله الدراسات العلمية، فبحسب هؤلاء «لم تظهر هذه الدراسات، إلى الآن، أن هناك ارتباطاً بين استرازينيكا وحدوث تجلطات على القلب»، انطلاقاً مما حدث مع الحلبي الذي توفي إثر جلطة قلبية بعد ثلاثة أيامٍ من تلقيه اللقاح. يضاف إلى ذلك ما أوردته عائلته والتحقيقات الأولية من أن الشاب كان يعاني من ألم في الصدر عندما تلقى اللقاح. أما في حالة المعلوف الذي توفي إثر نزف حاد في الدماغ بعد 12 يوماً من تلقيه اللقاح، فإن هؤلاء، وإن كانوا لا يستبعدون فرضية الموت باللقاح، إلا أنهم يشيرون إلى أن عوارضه الجانبية تظهر في اليوم الخامس لتلقيه. في كلتا الحالتين، الانتظار واقع.
وإلى حين صدور التحقيقات عن الوزارة الوصية، أحدث صخب الوفاتين أزمة ثقة مع «استرازينيكا» بين الناس. إذ يمتنع اليوم كثيرون عن تلقيه في انتظار ما يعيد تلك الثقة. وهذا القرار، وإن كان «إفرادياً»، إلا أنه يؤثر على مسار التلقيح، ويعيد النقاش حول «استرازينيكا». وفي هذا السياق، يشير رئيس اللجنة الوطنية لمتابعة لقاح كورونا، الدكتور عبد الرحمن البزري، إلى أنه في صدد رفع توصية إلى وزارة الصحة والمعنيين لرفع «عمر التلقيح» بـ«أسترازينيكا» إلى 40 عاماً، بعدما «بيّنت الدراسات أن نسب حدوث آثار جانبية خطرة تصبح أقل كلما كان العمر متقدماً». ويستند البزري في هذا الطلب الى سبب أساسي ــــ يضاف إلى الدراسات العلمية ــــ وهو «التعددية اللقاحية في البلد، إذ إن هناك إمكانية لاستعمال اللقاحات التي بين أيدينا بأحسن الطرق الممكنة وتوزيعها حسب فعاليتها». وتأتي هذه التوصية بعدما كان قد تقرر سابقاً إعطاء اللقاح ابتداء من عمر الثلاثين وحتى الخامسة والستين.
على الطرف الآخر من الجدل الدائر حول «استرازينيكا»، ثمة سؤال يطرحه بعض الأطباء المعنيين باللقاحات حول ما إذا كانت المضاعفات والآثار الجانبية حكراً على هذا اللقاح. فهل حصل موت فقط بسبب «استرازينيكا»، في حال ثبت هذا الارتباط؟ الجواب، بحسب هؤلاء، هو «لا»، لافتين الى أن لقاحَي «فايزر» و«سبوتنيك»، أيضاً، «سجّلا آثاراً ومضاعفات أكثر بكثير من لقاح استرازينيكا». وفي هذا السياق، تشير المصادر الطبية إلى أنه «حدثت 5 وفيات بعد تلقي جرعات من فايزر في لبنان، من بينها مسنّ في عمر الـ 84 توفي بعد نصف ساعة فقط من تلقي اللقاح، إضافة إلى المضاعفات الخطرة أيضاً والدخول إلى المستشفيات». ولئن لم يثبت إلى الآن الربط بين الوفيات التي حصلت واللقاحات، وخصوصاً أن التحقيقات هنا أيضاً لم تنته، «إلا أن الأعراض والمضاعفات ترافق أي منتج دوائي، وليست حكراً على منتجٍ دون آخر». ولذلك، ينحو هؤلاء نحو «النقص في الثقافة والتوعية الصحية بين الناس، كما بين بعض الأطباء الذين يحيلون في بعض الأحيان وصفات طبية يطلبون بموجبها استبدال أسترازينيكا بفايزر لأن المريض لديه حالة طبية معينة»! لكن، ماذا لو لم «تقطع» تلك الحالة الطبية مع «فايزر» أو «سبوتنيك»؟ ماذا سيكون رأي الأطباء حينها؟ هذا ما يختم به المتابعون لملف اللقاحات.