أعاد سقوط الطائرتين الاسرائيليتين المسيّرتين في الضاحية الجنوبية تصويب البوصلة الداخلية، وترميم الصفوف المبعثرة، ولو الى حين، ذلك أنّ فجاجة الانتهاك الاسرائيلي لعمق السيادة اللبنانية صُنعت لحظة التقاء وطني حول التنديد بهذا الاعتداء، مع العلم المسبق أنّ هذه اللحظة هي «رقيقة»، وأنّ الملفات الخلافية ستعاود الانقضاض عليها بعد وقت قصير.
يأتي التصعيد الاسرائيلي المستجد، بالترافق مع «حرب نفسية» تستهدف حلفاء «حزب الله»، عبر التلويح المتزايد بإمكان فرض عقوبات اميركية على شخصيات مؤيّدة للمقاومة، وتنتمي الى بيئات غير شيعية، سعياً الى تضييق الخناق على الحزب وتأليب بعض المكوّنات اللبنانية عليه.
ويروّج البعض انّ «بنك الأهداف» الاميركي سيشمل على الغالب، وفق التقديرات والتسريبات المتداولة، اسماء منخرطة في «التيار الوطني الحر» «المتهم» بأنه يقدّم الغطاءَ المسيحي لسلاح المقاومة ويمنحه مظلّةً من الشرعية السياسية، سواء عبر خيارات رئيس الجمهورية ميشال عون او عبر مواقف رئيس «التيار» وزير الخارجية جبران باسيل.
وضمن هذا السياق، تؤكد اوساط «برتقالية» مطلعة انّ هناك في الداخل اللبناني مَن يتولّى تحريض واشنطن على معاقبة شخصيات بارزة في «التيار الحر»، وانّ «المحرّضين» يستعجلون فرضَ العقوبات اكثر من الاميركيين استناداً الى حسابات ضيّقة وفئوية، مشيرة الى وجود تمنيات لدى البعض أن يكون الوزير جبران باسيل في طليعة الأسماء المسيحية المشمولة بالحصار المالي الأميركي.
ويؤكد أحد «صقور» التيار البرتقالي النائب زياد اسود لـ»الجمهورية» انّ «التهديد من حين الى آخر بفرض عقوبات على شخصيات في صفوفنا لن يجدي نفعاً، ونحن لا يمكن أن نخضع للابتزاز، وبالتالي خياراتنا الاستراتيجية ثابتة، ولن تتبدّل»، لافتاً الى انّ «الضغط علينا بأشكال عدة يرمي الى تدفيعنا ثمن موقفنا السياسي وإجبارنا على التراجع عنه، ولكن ما لا يعرفه أصحاب الرهانات الخاطئة هو أنه كلما ازداد الضغط نزداد تمسّكاً باقتناعاتنا».
ويضيف: «إذا كان البعض متورّطاً في نوع من «التخبيص» الشخصي وتبييض الأموال، ويخاف من احتمال أن تشمله العقوبات، فنحن ليس لدينا ما نخاف منه أو عليه، «ومش عتلانين همّ شي».
ويعتبر أسود انّ لبنان يتعرض حالياً لحرب اقتصادية شرسة، ترمي الى تحقيق الاهداف التي عجز عنها العدوان الاسرائيلي عام 2006، معرِباً عن ثقته في انّ النمط الجديد من الحرب المعتمدة لن ينجح هو ايضاً في إسقاط او إضعاف المقاومة التي تعرف كيف تنظّم أمورَها وتدافع عن نفسها، «وهي ليست في حاجة الينا على هذا الصعيد».
ويشير نائب جزين في «تكتل لبنان القوي» الى انّ الضغوط الاميركية المتصاعدة والتي تندرج العقوبات من ضمنها، إنما تهدف الى محاولة تفكيك التحالفات الوطنية، «الامر الذي لن تتمكن واشنطن من تحقيقه».
وماذا لو قرّر الأميركيون إدراج إسمك على لائحة العقوبات، ربطاً بمواقفك الداعمة للمقاومة؟
يجيب أسود: يبلطوا البحر.. ليس هناك ما اخسره إذا فعلوها، ذلك انه لا توجد لديّ حسابات مصرفية في الخارج او مصالح شخصية أخشى عليها. «عندي كم عنزة وشوية شجر في جزين، خليهُم ياخدوهم».
واستعاد مشهد استقبال الرئيس سعد الحريري في مزرعته الاميركية وزير الخارجية الاميركية مايك بومبيو، يقول أسود مبتسماً: «أنا ايضاً أدعو بومبيو الى زيارة الكروم في جزين، على مقربة من مراكز المقاومة، حيث يمكنه أن يستمع شخصياً الى الاصوات المنبعثة منها، كذلك في مقدوره أن يراقب من هناك طائرات الاستطلاع الاسرائيلية (أم. ك) وهي تحلّق فوقنا في خرق مستمر للسيادة وللقرار 1701..».
وعمّا إذا كان قد تعرّض خلال الفترة الماضية الى «تأنيب» من قيادة «التيار» نتيجة بعض مواقفه التي تبدو كأنها تغرد خارج السرب أحياناً، يؤكد أسود انه لم يتلقَ أيّ تأنيب أو لوم.. هذا أنا وسأبقى كذلك، وقيادة التيار تتقبّلني كما أنا».
ويشدّد على «انّ حماية لبنان في هذه المرحلة لا تتم إلّا بالتضامن الوطني على قاعدة مشروع واحد وواضح لمواجهة المخاطر الداهمة، ومن بينها خطرا الفساد والتوطين»، داعياً الحريري الى «أن يكون جزءاً حيوياً من هذا المشروع، بدل أن يظلّ يتحرّك على القطعة.