شغلت تصريحات وزير خارجية الفاتيكان بول ريتشارد غالاغر الأخيرة، خلال لقائه وفدا برلمانيا لبنانيا، حول مستقبل أزمة اللاجئين، الرأي العام اللبناني، كونها أكدت مخاوفهم وحولت هواجسهم الى واقع يقر به مسؤول دولي رفيع على علم بكواليس المحادثات الدولية حول مخارج الازمة السورية.
و لكن على ما يبدو، هذه التصريحات لم تهز الطبقة السياسية بما يكفي حتى تسرّع عملية تأليف الحكومة وينطلق العهد في مشوار التحديات العديدة التي تنتظره على الساحتين الداخلية والخارجية. فمتاريس المواقف ثابتة مكانها، وعصي التعطيل متمكنة من عجلة التأليف، والبلد مشرَّع لشتى الاحتمالات، بدءًا من أزمات اجتماعية ومعيشية متفاقمة وصولا الى إنهيار مالي واقتصادي مدوٍّ…
فالضغوطات على الوطن الصغير لم تعد محصورة بالامن بل طالت الأمن الاجتماعي وهو الاخطر، حيث تغلغل ما يقارب المليون ونصف مليون لاجئ سوري على مساحة الوطن، بعض منهم موجود داخل احد الألف ومئتي مخيم العشوائي والبعض الاخر استقر في المدن والقرى، يمارس حياته اليومية كأي مواطن لبناني معفى من ضرائبه وسائر التزاماته تجاه الدولة والبيئة التي تحتضنه في الوقت الذي يستفيد بشكل كامل من الطبابة والتعليم وسائر المساعدات الرسمية له…
اما المعلومة الاخطر التي كشف عنها الوزير غالاغر هي ان نظام الأسد نفسه غير متحمس لعودة هؤلاء النازحين الذين يعتبرهم معارضين له، في حين يفضّل ان يحكم أقلية موالية له عن اكثرية معارضة، تسهيلا لإعادة الهيكلة الديمغرافية في المدن والقرى السورية، مما يؤشر على ان الأزمة مفتوحة وطويلة الامد لملف اللاجئين السوريين في لبنان!
و المفارقة المؤلمة في هذه الازمة هي انها اعادة لسيناريو اللجوء الفلسطيني، حيث نرى التاريخ يعيد نفسه، من ناحية سوء إدارة الدولة لهذا الملف الحساس، ومحاولة كل فريق تسييسه لمصالحه الخاصة والتي دائما، وليس غالبا، ما تتضارب مع مصلحة الوطن. ان الإعداد الهائلة التي وفدت خارج قيود الدولة الرسمية، وانتشرت في المناطق اللبنانية خارج المخيمات، تعني انها مجموعات شبح ممكن ان تتحرك في اي اتجاه، وهي خارج إطار الرصد الرسمي لها. ان الدول التي تحترم شعوبها وسيادتها لم تقفل الحدود بوجه النازحين، إنما حصرت وجودهم في مخيمات منظمة ضمن جداول واضحة للداخل والخارج، جاهزة في أية لحظة لإعادتهم سالمين الى ديارهم، حافظة بذلك حقوق مواطنيها من منافسة اليد العاملة الغير منصفة ومحافظة على الأمن من الانفلات على يد مجموعات مجهولة للدولة، غير واضحة الارتباط والدوافع التي تحركها…
للأسف لبنان لم يتعلم، أو لم تشأ الطبقة السياسية فيه ان تتعلم من تجارب الماضي القاسية والتي لا يزال حتى الْيَوْمَ، يسدد اللبنانيون والفلسطينيون على حد سواء، فواتيرها الباهظة، فإذا بالتجربة نفسها تعاد دون ان تُظهر الدولة والقيِّمون عليها أية خطوات جدية لمواجهة هذا الإخبار الخطير، بدءا من تشكيل حكومة مع غرفة طوارئ لمعالجة هذه الازمة، والتي تلعب دورا هاما في الازمة الاقتصادية والمعيشية عامة، اضافة الى الاستعداد الى مواجهة المجتمع الدولي والعقوبات المفروضة على حزب الله، والتي تهدد ان تنسحب على الدولة ككل، كوّن حزب الله لم يكتفِ بكونه شريكاً في الوطن بل يحرص الْيَوْمَ، ومن خلال أزمة تمثيل سنة ٨ اذار المفتعلة ان يوصل رسالة واضحة للداخل والخارج، ان قرار الدولة اولا واخيراً لي، من موقع الرئاسة الاول مرورا بالوزراء على مختلف طوائفهم وصولا لأصغر موظف في الإدارات العامة، وهذا ما أكد عليه النائب محمد رعد في احتفال في الغازية اول من أمس عندما قال:«نحن أهل انتظار وجربوا معنا في استحقاق رئيس الجمهورية»…
انها مرحلة عصيبة للبنان حيث يلعب مرة جديدة دور ساحة شد الحبال، الا ان هذه الحبال التفت على عنق اللبنانيين جميعاً، وباتت تهدد وجود الدولة، حيث لن تنفع زعامة ولا قوة اذا ما سقط الوطن!