Site icon IMLebanon

أقلَّه شعور بالذنب!

لم يكن صعباً تلمس مفارقات ايجابية في نبض شعبي وأهلي لبناني رافقت الذكرى الـ ٧١ للاستقلال هذه السنة. غالبا ما غابت منذ زمن بعيد تلك اللهفة التي يفترض ان تشعل شعوراً “وطنياً” عابراً للخصائص الطائفية والاجتماعية والمناطقية في لبنان لفرط ما امعنت الانقسامات السياسية وحتى المذهبية في ابعاد مفهوم الاستقلال عن ثقافة عامة لبنانية حلت مكانها ثقافات وافدة خطيرة ان لم يكن لدى جميع الفئات اللبنانية فلدى بعضها. ومع ذلك بدا ثمة شيء آخر هذه السنة ما كان ربما ليتظهر بوضوح لولا مناخ الأسى وحتى الخشية المتصاعدة بإزاء جمهورية بدت يتيمة لانها تفتقد رمزها ورئيسها.

ولعله في الواقع الموضوعي ان اكثر الاجراءات “المحترمة” التي اتخذت في هذه المناسبة تمثلت في إلغاء الاحتفالات الرسمية ولا سيما منها العرض العسكري التقليدي. بدا ذلك بمثابة جمهورية تنبهت الى فقدانها هيبتها اقله اعترافاً ضمنياً وعلنياً بقصور سائر أهلها عن ان يكونوا على مستوى ازمة وطنية فادحة وخطيرة فانكفأوا عن طقوس استفزازية لذلك المغيب الغارق في وحشته ، اي قصر بعبدا ورمزه العالق في غياهب القصور السياسي.

في المقابل لم تكن تلك اللهفة الأهلية العفوية على الذكرى ولو بمبادرات متنوعة ومختلفة من المجتمع الأهلي والتفاعل الحار من الوسط الإعلامي سوى علامة شعور صاعد من جديد بخطورة ان يتنبه اللبناني الى انه فاقد الكثير مع غياب رئاسة البلاد. كاد هذا الشعور لمن تابع تمظهراته المتنوعة يوازي اللهفة الموازية على العسكريين المخطوفين وعلى الجيش كله. ولا نغالي ان قلنا في هذه العجالة ان التعاطف اللبناني مع الجيش لم يبلغ منذ تاريخ نشأة المؤسسة العسكرية منسوباً ساحقاً بمثل ما صار عليه اليوم. وهي نقطة مضيئة وحده المكابر والجاحد ينكر أهميتها في كوكبة إجماع حقيقي وطني عابر لكل الطوائف والفئات والمناطق.

قد لا تقدم هذه الحقائق الكثير لفاقدي الإيمان بما كان يسمى صيغة لبنانية فذة بعدما سقط الكثير من مفاهيمها على طريق التشققات والحروب والعبث الداخلي والتوظيف الخارجي للبنان. ولكننا لا نرى ماذا يمكن ان يُقدم أفضل من تصاعد شعور بالذنب الوطني العارم لأن الجمهورية متروكة بلا رئيس. ولنتذكر على الأقل ان سطوة الوصاية السورية بكل ثقلها وكذلك عوامل اخرى كانت نجحت في تشليع اللبنانيين تبدو الان على طريق الهزيمة بدليل انه على رغم ثقل ازمة الفراغ الرئاسي وأخطار الارهاب المحدقة بلبنان لا يبدو الاستقلال موضع قلق او خوف بالمستوى نفسه الذي كان سائداً الى سنوات قليلة سابقة. بل لعلها ليست حقيقة مبتكرة ان قلنا ان اللهفة على الرئاسة كأساس لجمهورية مؤهلة لمواجهة الاخطار كان الاكتشاف الموضوعي في ذكرى يتيمة الأب والراعي والرمز.