ما هكذا تورد الإبل، ولا هكذا يورد البلد البلا رئيس جمهورية منذ فترة تكاد تكون نادرة، سواء على صعيد لبنان في كل حالاته وحروبه، أم على صعيد الدول الشقيقة والصديقة.
بلد من ثماني عشرة طائفة، وخمسة وعشرين حزباً “مباشراً”، وما يقارب المليوني ضيف من السوريّين والفلسطينيّين وسواهم، “يعيش” بلا دولة. بلا مؤسّسات دستوريّة. بلا دوائر، بلا رأس… وما من مجيب إذا سئل. ولا من يرى في هذه الفضيحة المجلجلة أيّ عيب أو عار.
وخصوصاً إذا أضفنا إلى هذا العيب وذاك العار عيب وعار الفضيحة الثانية التي تملأ الربوع الغنّاء بجبال وتلال وسهول من الزبالة.
أهذا هو لبنان قطعة السما، لبنان الأخضر، لبنان الوطن الرسالة، لبنان الذي نيّال مَنْ له فيه مرقد عنزتو، لبنان الجسر بين الشرق والغرب، لبنان الذي تغزّل به أدباء وشعراء وفنانون من العالم؟
إنهما لحال وواقع مخجلان، يجعلان الواحد منا يترحّم على جميع زعماء الزمن الجميل ومرجعيّاته وقياداته ورجالاته من دون استثناء.
“عطور” الزبالة و”زهور” تلالها وجبالها وسهولها تبهر مَنْ تبقّى من أهل البلد ومَنْ لا يزال يمرّ به ولو بدافع من حنين قديم، من ذكريات عبَرت خياله.
حتى الزبالة أعيت مَنْ يداويها، ومن يعالج أسبابها وأسباب ركودها وانفلاشها على نطاق العشرة آلاف وأربعمئة واثنين وخمسين كيلومتراً مربعاً؟ إذاً، لا بدّ أن يكون في الأمر “لغزٌ” قريبٌ مما يتحدّث عنه الناس.
لنأخذ رئاسة الجمهورية المفرّغة كما هو معلوم للقريب والغريب. المثير للدهشة والاستغراب أن أحداً من المسؤولين الكبار والصغار وما بين بين لم يتفضّل علينا بكشف الغطاء عن الموانع والعوامل السريّة الخطيرة التي تحول دون انتخاب رئيس جديد!
ثمة علامة استفهام كبيرة وصافعة، لا يجوز أن تبقى مهملة ومتروكة لقدرها، وإلى أن يحين أوان وموعد ملء هذا الفراغ الذي يشكّل صفعة تاريخيّة للجميع. لكل مَنْ يشارك أو يسكت عن هذا العار الفاضح.
تسأل مرجعاً، فيزمُّ شفتيه: عِلمي عِلمك. تسأل وزيراً، فيبتسم ويمازحك كأن السؤال من المحرّمات والجواب لا يقود إلى الجنة. تسأل نائباً، فيبرم رأسه يميناً ويساراً قبل أن يهمس: ما حدا عارف كوعو من بوعو.
أين يا أطلال، ويا فراغ، ويا زبالة، أين أولئك الرجال الذين كان لبنان يتكئ على وطنيّتهم وفراستهم وشهامتهم؟ أين رايات الزمن الجميل؟
ولو، على الأقلّ رحّلوا الزبالة… قبل أن يرحل كل لبنان!