IMLebanon

في ذروة المحكمة..

 

يشتغل في السياسة الوطنية الرئيس سعد الحريري، ويتعب جهده في ذلك. وهذه تفضي حُكماً وضرورة الى اعتماد قياسات شخصية لكن لحساب الشأن العام وليس لحسابه الخاص، وحالته في هذا المقام سبق أن عاشها وليد جنبلاط ومارسها غداة الغدر بوالده التاريخي الراحل كمال جنبلاط.

 

والشأن العام في لبنان حمّال أوجاع ومرارات وكآبات صافيات، مثلما أنه ولّاد سلطات وحيثيات ونفوذ ومقاربته على مدى العقود الأربعة الماضية جرت دائماً على وقع الدم أو احتمالاته تبعاً لانفتاح الكيان، دولة واجتماعاً بشرياً على الحروب والقتال، واندحار السياسة بمفهومها المدني الجمعي لصالح العسكرة الفعلية التسليحية والذهنية والفكرية والغرائزية في أقسى (وأشنع) حالاتها وظواهرها.

 

وصحيح أن الجانب الحربي القتالي في تلك العسكرة، انتهى مع اتفاق الطائف، لكن ليس صحيحاً الاستطراد التفاؤلي الذي يذهب الى وضع باقي الظواهر في خانة تلك النهاية! بل ان ما فعلته سلطة الوصاية الأسدية ونظامها الأمني المشترك مع أتباعها وعمالها وعملائها اللبنانيين، زاد في تثبيت وترسيخ الاستنفارات والاصطفافات وفق سياق طائفي ثم مذهبي وصولاً الى دواخل الطوائف والمذاهب.. كلها من دون استثناء!

 

وتلك ممارسة آنية من كتب بدائية ابتدائية تقول في خطوطها العامة والتفصيلية قولة تلك الأنشودة الأزلية: فرّق تسد! بحيث أن شرط دوام السيطرة والسيادة والتمكّن من قبل العنصر الخارجي يستوجب تمكين التفتيت والشرذمة في البنيان الداخلي المقصود تطويعه.. بذلك اشتغلت سلطة الوصاية الأسدية بدأب وشطارة وحقارة وفق ذلك القياس واستشرست في لجم أي عوائق مضادة! وفي تصغير وتفتيت أي حالة شخصية او عامة يمكن لها أن تشكّل “ردّة” جمعية شاملة وعابرة فوق الانقسام وظواهره الطائفية والمذهبية، والسياسية استطراداً.

 

والترجمة العملية لتلك السياسة جرت وفق “التقليد” الأسدي (البعثي!) وليس من خارجه. بحيث أن العنف إقصائي حاد ونهائي قتلاً ونفياً وسجناً. ولكل “حالة”، علاج يناسبها لكن من دون أن يعني ذلك “التنوّع” في العلاج نزولاً تحت سقف السلطة المطلقة، والتمكّن الأحادي التام والشامل. والقبض على النفوذ واحتكاره حصرياً.. وأبدياً!

 

كل ضحايا تلك المنظومة، شكّلوا في لحظة ما خطراً عليها وعلى نزوعها الاستئثاري المطلق، داخل سوريا النظام والحزب. ثم داخل لبنان الملحق والمخزن و”العمق” والورقة والساحة والبنك والكنز الداشر والفالت، وصندوق البريد، والمنفذ، وموضع ربط النزاع وفكّه، والبديل المثالي “المقاوم” عن الأصيل الممنوع في الجولان وغير ذلك الكثير من “العطايا” التي لا يمكن القبول بتهديدها من قبل أصحاب مشاريع طموحة تريد أن تعبر فوق الانقسامات والدويلات سعياً الى دولة مقتدرة ومكتملة، وإلى وطنية معقولة تهذّب (ولا تصفّي أو تنهي!) الخصوصيات الطائفية والمذهبية ومشتقاتها الحزبية والسياسية!

 

رفيق الحريري بهذا المعنى، كان في رأس لائحة هؤلاء “الطموحين”! و”أخطاره” واقعية وليست افتراضية أو مبهمة! وتلك كانت مزدوجة تبعاً لتطور الأمور باتجاه ازدواجية السيطرة والتحكّم من قبل الثنائي السوري – الإيراني بما يحتويه ذلك من أدوات وملاحق لبنانية: هدّد مكتسبات الوصاية الأسدية بجملتها وغزارتها و”غلاوتها” مثلما هدّد “المشروع” الذي دبّ من طهران على وقع “المقاومة” والممانعة!

 

.. الرئيس سعد الحريري في “لحظة” المحكمة الدولية وعشية ذروتها، يتابع بموقفه الواقعي والتصالحي مسار “الوطنية” التي أطلقها والده ودفع حياته ثمناً لها!

 

ويردّ (ويثأر!) على الجريمة ومن صنّاعها من ضمن ذلك المسار وليس من خارجه. ويفترض (والله أعلم) أن الاستقرار الوطني العام أكبر من آلام الفقد ونزعات الانتقام وأَولى بالرعاية والحنوّ والاهتمام من سلوك مسالك يمكن أن تحقق في النتيجة طموحات قاتلي أبيه!

 

ثم بعد ذلك: الحقيقة التامة لا تعني بالضرورة عدالة تامة! الأولى قد تفضي الى لجم الجريمة السياسية (وربما لا؟!) لكن الثانية ليست فقط خاصية الفصل السابع في مجلس الأمن، بل هي للمؤمنين (وسعد الحريري رجل مؤمن) وعد إلهي لا يخيب..