IMLebanon

أتاتورك  

 

عندما تنتقد وزارة  الخارجية التركية كلام رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عشية بدء السنة الختامية للاحتفال بميلاد لبنان الكبير، عليها أن تعتمد أسلوباً محترماً يليق بالأمة التركية العريقة… خصوصاً أن وزيرها مولود جاويش أوغلو كان عندنا قبل أيام والتقى كبار المسؤولين والتقى الرئيس عون بالذات وتحدث عنه بتقدير.

 

الرئيس عون الذي حوله مستشارون عديدون يمكنهم أن يدافعوا عنه، أمّا نحن فيعنينا في الأمر الأسلوب الذي تضمنه بيان الخارجية التركية الذي تناول كلام رئيس جمهوريتنا بعنجهية فارغة، وبلا ديبلوماسية فاضحة… علماً أن الجنرال عون لم يكن في وارد التعرض للإمبراطورية العثمانية، بقدر ما كان يعرض لتطورات الأحداث  التي أدّت الى قيام «لبنان الكبير» باستعادة المناطق التي سُلخت عنه في زمن العثمانيين.

 

ويبدو أنّ الحمية الشوفانية تأخرت وقتاً لا بأس به، إذ بدلاً من التهجم على رئيس لبنان، كان على كاتبي البيان التركي ومصدريه أن «يستقربوا» فينزعوا صورة الزعيم التركي مصطفى كمال (أتاتورك – إي بيّ الأتراك) التي تتصدر مناسباتهم الرسمية الكبرى كلها، والتي تتصدر أيضاً مكتب الرئيس رجب طيب أردوغان ذاته.

 

أتاتورك، ذلك القائد الذي محا كلياً آثار الخلافة العثمانية، والذي قال في تلك الخلافة ما لم يقله مالك في الخمرة، والذي لم يكتفِ بإزالتها من الحكم والنصوص، بل شملت إجراءاته «تغيير أشكال الناس إذ منع اعتمار الطربوش والعمامة وروج للباس الغربي ومنع المدارس الدينية وألغى المحاكم الشرعية، أزال التكايا والأضرحة وألغى الألقاب المذهبية والدينية، وتبنى التقويم الدولي، كتب قوانين مستوحاة من الدستور السويسري، وفي عام 1928 ألغى استخدام الحرف العربي في الكتابة وأمر باستخدام الحرف اللاتيني(…) تحولت تركيا خلال 15 عاماً من حكم مصطفى كمال بشكل جوهري ويذكر له الأتراك أنه أسس دولة قوية حديثة، لكن خصومه يشددون على أنه لم يكتف بإزالة آخر دول الخلافة الإسلامية (…)».

 

ومع ذلك فإن أتاتورك لا يزال الرمز والمعين  الذي يرشف منه أي حكم في تركيا…. وبلغ عداؤه لحكم الخلافة أنّه رفض أن ينصب نفسه أو أن ينصبه الاخرون خليفة!

 

فماذا قال الرئيس عون حتى يستحق هذا الهجوم التركي الخالي من اللياقة والأصول الديبلوماسية. علماً أن الرئيس لم يتناول الدولة التركية لا من قريب ولا من بعيد، بل أتى على ذكر الحقبة العثمانية في سياق تمهيدي لـ»لبنان الكبير». ولقد حرصنا في ما أوردناه آنفاً على أن نؤكّد على أنّ تركيا الحالية لا علاقة (أو شبه) بينها وبين الخلافة العثمانية.

 

وعلى سبيل المثال لا الحصر هل سيجد الرئيس الروسي بوتين ووزير خارجيته لاڤروڤ وأركان حكمه أنفسهم مضطرين لإصدار بيانات للتهجم على من يتناول دولة الاتحاد السوفياتي في كلامه؟!

 

لا نظن أنهم يفعلون!

 

إن تركيا دولة صديقة للبنان الذي يتمسك بهذه الصداقة ويحرص على تنميتها والميزان بينها وبين لبنان يميل الى مصلحتها، فهي التي تستقبل أقله مليون سائح لبناني سنوياً، وهي التي يستورد منها لبنان الكثير خصوصاً في مجال صناعة الألبسة الخ… ونعرف أن جاويش أوغلو يعرف هذه الحقيقة!

 

ولتعلم أنقرة أن الخلافة لن تعود… وإذا عادت فلن تكون خارج العرب.