للمرة الأولى، يشارك وزير الدفاع اللبناني وزارة الدفاع الروسية في احتفاليتها السنوية الثالثة، «منتدى الجيش 2017»، أو «آراميا 2017»، التي تستعرض فيها المؤسسة العسكرية الروسية وأكبر مصانع الأسلحة فخر الصناعة العسكرية الروسية.
بالنسبة إلى الروس، تتعدّى الفعالية استعراض «بضاعة» جاهزة للبيع أمام وزراء دفاع ورؤساء أركان من 60 دولة حول العالم.
المنتدى أشبه بإعلان حربي ـــ سياسي عن تعاظم الدور السياسي الروسي الجديد، المدعّم بقدرة عسكرية هائلة، منذ الدخول العسكري إلى جورجيا عام 2008، ولاحقاً إلى سوريا قبل نحو عامين.
وزير الدفاع اللبناني يعقوب الصّراف كان شاهداً أمس على حفل افتتاح المنتدى وكلمة الوزير الروسي سيرغي شويغو، ثمّ على مناورات ضخمة لقوات برية وجويّة في حقل كوبينكا الشهير في ضواحي موسكو. الصّراف الذي حظي باستقبال حار من قبل المسؤولين الروس ووزير الدفاع الروسي، سيَعْقِدُ اليوم لقاءً رسمياً مع شويغو، بهدف رفع مستوى التعاون العسكري بين روسيا ولبنان، فضلاً عن لقاءٍ غداً الخميس مع نائب وزير الخارجية، ميخائيل بوغدانوف، واحتمال عقد لقاءات أخرى في الكنيسة الأرثوذكسية الروسية.
ليس خافياً الاهتمام الروسي بالملفّ اللبناني لناحية التعاون العسكري مع لبنان، وتوسيع الدور السياسي الروسي، المتعاظم أصلاً في سوريا وشرق المتوسّط. وفي خضمّ معركة الجيش اللبناني مع إرهابيي «داعش» في الجرود اللبنانية الشرقية، وتكامل دوره في محاربة الإرهاب مع الحرب التي تخوضها روسيا دعماً للجيش السوري ضد «داعش» وتنظيمات «القاعدة» في سوريا، لا بدّ أن لقاء الصرّاف ــ شويغو اليوم سيكون على جدول أعماله إمكان دعم روسيا للجيش ومدّه بالسلاح.
وبخلاف ما كانت الحال عليه أيّام الوزير السابق سمير مقبل، المحسوب على الرئيس السابق ميشال سليمان، وما جرى من عرقلة لملفّات تسليح الجيش اللبناني من قبل روسيا في مرحلة مقبل وقبله الوزير السابق الياس المرّ، يعوّل الروس على الموقف السياسي لرئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس المجلس النيابي نبيه برّي، في دعم رفع مستوى التعاون العسكري بين روسيا ولبنان. ولا تغيب زيارة الرئيس سعد الحريري المقرّرة الشهر المقبل إلى موسكو عن أجواء الدعم هذه؛ فمع أن الحريري ينوي البحث في عدّة مسائل اقتصادية تهمّ البلدين، إلّا أن مسألة دعم القرار السياسي للتعاون العسكري بين البلدين ستكون حاضرةً أيضاً، خصوصاً في ظلّ الإيجابية التي يبديها الحريري تجاه موسكو.
تدرك روسيا أن رفع مستوى التعاون العسكري مع لبنان يخضع لعدّة اعتبارات، أوّلها تصوير الأميركيين للجيش اللبناني كجيش محسوب على المحور الأميركي ـــ الأوروبي، أو كشريك غير معلن لحلف «الناتو»، في لعبة تقاسم النفوذ بين الروس والأميركيين في الشرق، عبر الشراكات مع الجيوش. وثانيها، عدم قدرة لبنان على شراء الأسلحة الحديثة، في ظلّ دعم أميركي أوّلاً وبريطاني ثانياً للمؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية، من دون مقابل مادي، ولو بالأسلحة التقليدية «الرخيصة» والعتاد، بما يمكّن الجيش من تطوير قدراته في الحدّ الأدنى، من دون حصوله على قدرات تهدّد إسرائيل أو تؤثّر على نشاطها البحري والبري في الأجواء اللبنانية وخروقاتها اليومية للأرض والسماء والبحر. ثالثاً، لم يشعر الروس، حتى الآن، بتحوّل في القرار السياسي اللبناني، لناحية الرغبة في تعزيز العلاقات العسكرية بين البلدين، خصوصاً أن اتفاقية التعاون العسكري لا تزال في أدراج اللجان النيابية، ولم يصوّت عليها مجلس النواب اللبناني منذ عام 2012.
في ظلّ القرار الأميركي بتوسيع النفوذ في «بلاد الأرز»، لا سيّما شروعهم في بناء أكبر سفارة أميركية في الشرق الأوسط على أرض لبنان ورفع مستوى الدعم العسكري للجيش، يعوّل الروس على العهد الجديد، للمرور فوق المرحلة الماضية من العلاقة، والتي بقيت فيها «السلطة السياسة بأيدي حلفاء أميركا من اللبنانيين»، على حدّ قول مصدر دبلوماسي روسي.
ولا يخفي الروس نيّتهم الدخول كلاعب في السياسة اللبنانية، خصوصاً بعد استعراض قوّتهم في الميدان السوري، وتوقيع عقود تضمن بقاء القوات الروسية 49 عاماً في قاعدة طرطوس البحرية، وإثبات «ولائهم لحلفائهم على عكس الأميركيين»، فيما يعمل العديد من الأطراف اللبنانيين على تحسين علاقتهم بموسكو.
ونفّذت أمس مجموعات من القوات الخاصة العسكرية عروضاً قتالية باستخدام أكثر من 225 صنفاً من الأسلحة، بينها دبابات «T-72B3» و«Tــ 80 ــ 001»، و«Tــ 90 S»، وعربات «ب. أم. ب.» الحديثة، وراجمات صواريخ «سميرش» و«تورنادو غي»، وصواريخ «إسكندر أم» الاستراتيجية، فضلاً عن أصناف متعدّدة من منظومات الدفاع والمروحيات ومقاتلات سلاح الجو الروسي، مثل مروحية «مي ــ 35 أم» و«كا ــ 52» المعروفة بالتمساح، ومقاتلات «سو ــ 30 أس. أم.» المتعددة المهمات، ومقاتلتا «سو ــ 34» و«سو ــ 35 أس».