السؤال الكبير المطروح على الساحة اللبنانية اليوم: هل يتحمّل اللبنانيون خسارة الاستقرار في البلد؟
القوى الأمنية كانت في وضعية الدفاع عن النفس فيما المتظاهرون في وضعية الهجوم
اليوم وقت التحقيق القضائي بحق المخِلين والعابثين بالأمن وليس بمسلك قوى الأمن أكّدَت أوساط مؤيّدة للمجتمع المدني أنّ الحراك الشعبي هو حراك مشروع إنّما تحت نطاق القانون شرط ألّا يتحوّل مواجهة مع القوى الأمنية، لأنّ المشكلة ليست مع القوى الأمنية إنّما مع الحكومة وفسادها، والحلّ يكون بالضغط عليها لتعملَ وليس لتنسحبَ مِن العمل وتستقيل، فهي وحدَها مَن يجب أن تتحمّل مسؤولية وتبِعات فسادها، لذلك الأَولى بحراك المجتمع المدني إجبارُها على تحَمّل المسؤولية وإيجاد الحلول وليس دفعها الى الاستقالة لتهرب، فتُلقي بتداعيات الأزمة على الشعب.
من جهتها، انتقدت جهات أمنية شكلَ الحراك المدني، مشيرةً إلى أنّه «سيَسقط وتسقط معه الفكرة إذا ما استمرّ على نهجِه التصاعدي ضدّ القوى الأمنية وحماة المواطن»، مؤكّدةً أنّه «يحافظ على استمراره بالتواصل البنّاء مع المرجعيات الأمنية القادرة على تنظيم هكذا مظاهرة، وبتنظيم المطالب المحِقّة من دون إدخال الشعارات السياسية والعدوانية واللجوء إلى العنف».
وفي السياق، أبدت أوساط أمنية متابعة للأحداث ميدانياً عبر «الجمهورية» استياءَها وأسفَها لِما آلت إليه الأحداث في رياض الصلح وساحة الشهداء، واصفةً المظاهرات بـ»الغوغائية». واستغربَت الدعمَ الإعلاميّ الذي تتلقّاه وتحديداً من بعض المحطات، واصفةً هذا الدعم بأنّه «غير طبيعي ومشبوه، وبأنّ هناك خطّة ممنهَجة لكسرِ صورة الأمن اللبناني من خلال تصوير عناصره بأنّهم قتَلة ومعتدون، عِلماً أنّ العكسَ هو الصحيح».
وذكّرَت هذه الأوساط بأصول التظاهر «الذي يُشَرّعه القانون والذي يَعتمد آليّةً ومساراً قانونيين لم يعتمدهما المتظاهرون من الأساس، لا حركة «طِلعت ريحتكم» ولا الحركات التي لحقَت بها إلى الشارع»، كاشفةً أنّ المتظاهرين «حاوَلوا استفزازَ القوى الأمنية مرَدّدين «يللا أيمتا بدكن ترشّونا بالمَي» وشعارات مستفزّة أخرى، ولجأوا إلى عنفٍ لم تُظهره الشاشات»، خصوصاً أنّ التظاهرة في الأساس لم تُوحِ بأنّها سِلمية، على عكس ما أعلنَه أصحابها».
حقّ التظاهر
وذكّرَت الأوساط الأمنية بالقرار 1024 لجهة حقّ التظاهر والذي وقّعته وزارة الداخلية بناءً على محضر اجتماع مجلس الأمن الداخلي المركزي بتاريخ 28/3/2006 وينصّ على الآتي:
«يقدّم العِلم بالتظاهر أو التجمّع أو الاعتصام إلى المحافظ المختص قبل موعد التظاهرة بثلاثة أيام على الأقل، ويجب أن يتضمّن هذا العِلم الآتي:
1- سبب الدعوة إلى التظاهر واسم الجهة الداعية له وصفتُها والشعارات الأساسية التي ستطلق.
2- أسماء منظّمي التظاهرة الذين يجب أن يكونوا لبنانيّين وألّا يقلّ عددهم عن ثلاثة، بالإضافة إلى تحديد أماكن إقامتهم.
3- عدد المشاركين التقريبي في التظاهرة وساعة انطلاقها وإنهائها.
4- مكان أو أمكنة تجَمّع المتظاهرين للانطلاق.
5- خطّ سَير التظاهرة.
6- مكان تفَرّق التظاهرة.
7- تقديم تعَهّد يتحمّل المسؤولية الكاملة عن أيّ ضرَر قد تسَبّبه التظاهرة للأشخاص والممتلكات العامة والخاصة موَقّع مِن مقدّمي الطلب.
أمّا المادة الثالثة، وهي الأهم وفقَ ما تشير تلك المصادر الأمنية، فتقول: «تتمّ تسمية لجنة الارتباط بين المتظاهرين والقوّة الأمنية الموجودة على الارض وتتألف من ثلاثة متظاهرين على الأقلّ يسمّيهم منَظّمو التظاهرة، وتكون مهمّتها التنسيق لمنعِ حصول أيّ خلل أمني أثناء مواكبة التظاهرة أو أيّ عَمل شغَب قد يحصل».
ولاحظت المصادر الامنية أنّ «التظاهرة المشبوهة لم تطبّق بنداً واحداً من هذا القرار، إذ لم يبلّغ منظمّوها عنها، ولا يملكون أيّ ترخيص، ولو كانت لديهم نوايا صافية لَما حاولوا منذ اليوم الأوّل الإصرار على إزالة الأسلاك الشائكة مستخدمين القوّة وكلَّ الوسائل العنفية».
واعتبَرت المصادر أنّ «تصرّفات المتظاهرين لا تدلّ منذ اليوم الأوّل للحراك على أنّهم من المجتمع المدني الذي يضمّ عادةً خِيرةَ الشباب المحاور والمثقّف والمسالم وليس العدواني والشرِس والمعتدي»، لافتةً إلى أنّ «الوقائع أثبَتت أنّ شباب «طِلعت ريحتكم» لم يدركوا إلى أين سيوصل حراكهم وسط المطالب الكثيرة المحِقّة التي تضغط على اللبنانيين فاندَفع الشعب وراءهم».
مجرى الأحداث
وروَت الجهات الأمنية المواكبة أنّه منذ اليوم الأوّل أراد بعض الشباب المنتمي إلى حركة «طِلعت ريحتكم» إزالة الأسلاك الشائكة ودخول السراي، فمنَعتهم القوى الأمنية، لكنّهم أصرّوا ورموا أفراد القوى الأمنية بـ»البويا» هازئين بثياب القوى الأمنية، قائلين: «طَمّنوا بالكن هيدي البويا مِش رح تروح».
وعلى رغم أنّ عناصر القوى الأمنية حاوَلوا محاورتَهم مجيبين: «معليش بتضَل ذِكر منكم يا شباب… المهِم ارجَعوا لوَرا»، إلّا أنّهم نزَعوا أحزمتَهم وحاولوا مجدداً إزاحة الأسلاك الشائكة بها، قبل أن يأتوا بآلةٍ لقَصّ الشريط، وكلّ ذلك أمام عدسات الكاميرات التي كانت منحازة في معظمها، فصَوّرَتهم الضحية وصوّرَت القوى الأمنية على أنّها الجلّاد».
وأضافت: «بعدها قالوا لنا «أيمتا بدكن ترشّونا؟ مِش رَح نزيح قبل ما تسَفّقونا يا قبضايات. سفِيقونا بالمي ناطرين». وأشارَت المصادر إلى أنّ القوى الأمنية أوقفَت بعض الغوغائيين للتحقيق.
أمّا في اليوم الثاني، فأكّدت الجهات الأمنية أنّ «المتظاهرين أصرّوا على دخول مجلس النواب فمنعَتهم شرطة المجلس، عِلماً أنّ عددَ أفرادها قليل ولا يمكنهم إلّا الحزم أمام مجهولين وغرَباء لا يملكون تصريحاً بالمظاهرة»، لافتةً إلى «حق الشرطة في استعمال القوّة أمام إصرارهم وعنفهم وأمام الشغَب وعدم وقف رشق الحجارة وبعدما أصبح الشغب سيّد الموقف»، مشيرةً إلى «استقدام أشباه رجال لتخريب المحالّ والتكسير، فلم يكن أمام شرطة المجلس سوى إطلاق النار في الهواء لإبعادهم».
القوى الأمنية تُحَذّر
ونبَّهَت المصادر الأمنية عبر «الجمهورية» أنّه لو استطاع المتظاهرون دخولَ السرايا، «الله أعلمُ ما الذي كان سيَحصل، إذ إنّ الأوامر المعطاة إلى شرطة السرايا هي إطلاق النار فوراً، وهي لا تمتلك أسلحةً لمكافحة الشغب بل أسلحة حيّة يجب استعمالها للدفاع عن مراكز الدولة الحسّاسة في حال اقتربَ أيّ كان مجهولُ الهوية.
فلو وصَل هؤلاء القوم إلى السرايا لكانت وقعَت الكارثة، وهذا ما حصل يوم السبت عندما بدأ المتظاهرون الذين تقاطروا يرمون الزبالة على عناصر القوى الأمنية وأحضَروا حاجزاً حديدياً واستطاعوا إزاحة الشريط، وبالتالي خوفاً من دخولهم استعملت القوّة الأمنية خراطيمَ المياه، وذلك لحمايتهم قبل حماية أنفسِهم». وشدّدت المصادر في هذا السياق على أنّ «دخولَهم السرايا يَعني تصادُماً عنيفاً ودمَوياً مع شرطة السرايا التي لن تحاورَ أو تهادن، ومهمّتها استخدام الأسلحة الحيّة فقط».
عدد جرحى قوى الأمن
وأوضحَت المصادر أنّه سقط لقوى الأمن الداخلي في اليوم الأوّل، أي الأربعاء، 35 جريحاً، أمّا يوم السبت فسَقط 99 جريحاً بينهم إصابات خطِرة وجدّية بين تكسيرِ ضلوعٍ، وجروحٍ خطيرة، فيما لم تتجاوَز إصابات المتظاهرين نصفَ هذا العدد وأغلبُها إصابات بسيطة نتيجة المياه، وحالات اختناق نتيجة القنابل الصوتية.
ولفتَت إلى أنّ هذه الأرقام تمَّ التعتيم عليها إعلامياً، عِلماً أنّ القوى الأمنية كانت في وضعية الدفاع عن النفس، فيما كان المتظاهرون في وضعية الهجوم.
وكشفَت المصادر أنّ «المتظاهرين الغوغائيّين كتبوا على آليّة للقوى الأمنية «بِلّ الأرزة وشراب دمها». مستغربة: «إذا كان المجتمع المدني لبنانياً، فمِن الطبيعي أن يصونَ ويؤمِنَ بأرزة لبنان».
أما مِن وجهة نظر عِلم النفس، فإنّ «المجموعة يديرها شخص واحد، فتلحقه من دون أن تعرفَ إلى أين يأخذها، خصوصاً أنّ المواطنين نزلوا بصِدق مِن دون أن يَعلموا حقيقة التحرّك وأهدافَه، وذلك للتعبير عن غضبِهم وخوفِهم على مستقبل أولادهم، ولم يعرفوا أنّ التظاهرة ستتهجّم على القوى الأمنية».
المتظاهرون يطلبون الدم
ولاحظت المصادر الأمنية أنّ «بعض المنتمين إلى حركة «طِلعت ريحتكم» أقرّوا عبر صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي بضعف التنسيق، ولا سيّما اللوجستي»، معتبرةً أنّها «حاولت تنظيمَ التظاهر إلّا أنّ المشكلة تفاقمَت وكان التصعيد سيّدَ الساحة بعد توافدِ «الحركات» منها حركة «بَدنا نحاسِب» وهي تنتمي إلى جهات يسارية شيوعية وأداؤها عدائيّ، على عكس ما أعلنَ المتحدث باسمها، وهذا ما أثبته حراكهم الميداني عندما بدأوا برَمي الحجارة والديناميت وقنابل المولوتوف على القوى الأمنية، إلّا أنّ المحطات التلفزيونية توقّفَت ليلاً عن البَثّ المباشَر فلم تظهر تجاوزات هؤلاء، في وقتٍ ارتفعَ عدد جرحى قوى الأمن الداخلي إلى 139.
في المقلب الآخر
وفي المقلب الآخر للمشهد من ساحة النجمة ورياض الصلح، كشفَت المصادر الأمنية عن مشهد من نوع آخر، أبطالُه فصائل كانت تتحضّر على الدرّاجات الناريّة منذ اليوم الثاني للتظاهر. وكلّ مَن يتوجّه نحو جسر الرينغ ويَعود أدراجَه إلى المطار سالكاً طريقَ الباشورة يَرى بأمّ العين شباباً متجَمّعين على الدرّاجات مِن دون خوذات ويَحملون الأعلام اللبنانية وينتظرون أوامرَ للتحرّك باتّجاه المظاهرة.
وفيما أفادت المعلومات عن ضبط سوريَّين يقومان بأعمال شغَب في المظاهرة وسودانيّ، لتضع تلك المصادر الأسئلة الآتية في رسم اللبنانيّين: «مَن هي الجهات القادرة ماليّاً على تجييش هؤلاء الشباب بالسلاح والمعنويات لكي يتجرّأوا ويقِفوا في وجهِ القوى الأمنية؟
«ومَن هو القادر على استقدام 2000 عنصر في يوم واحد و3000 عنصر في اليوم الثاني إلى ساحة رياض الصلح وساحة النجمة؟ وهل يَستعملون المواطنَ اللبناني الشريف ومطالبَه المحِقّة لغاية شريفة أم لنوايا مخفيّة ليس أخطرها إسقاط النظام؟
ولماذا بدَت المواكبة الإعلامية والنقل المباشر طوال النهار وكأنّها في انتظار الانفجار أو كأنها تعلم به وتُساعد في تأجيجه من خلال السماح للمتظاهرين باستعمال الهواء لدعوة المواطنين الى الانضمام للتظاهر على رغم المخاطر؟»
وختمت المصادر إنّ «اليوم ليس وقتَ التحقيق المسلكي بحقّ قوى الأمن، إنّما وقت التحقيق القضائي بحقّ المخِلّين والعابثين بالأمن.