عملية «حزب الله» بمزارع شبعا جمعت الردود على عملية القنيطرة وما سبقها من إغتيالات واستهدافات ضد الحزب
محاولة لربط مصير لبنان بمخططات إيران بالمنطقة والتأكيد على استمرار دور السلاح كما هو
من أهداف العملية الإيحاء بأن سلاح حزب الله لا يزال ضرورياً لمواجهة إسرائيل وهذه رسالة موجهة للداخل والخارج..
لتي استهدفت مجموعة مشتركة من قيادييه وضباط من «الحرس الثوري الإيراني» بعملية ضد قوات الاحتلال الاسرائيلي في مزارع شبعا بعد أيام معدودة فقط، لأنه لم يستطع التغاضي عنها وتجاوزها وكأنها لم تكن إسوة بما سبقها من غارات اسرائيلية على مخازن صواريخ عائدة له في ضواحي دمشق وجريمتي اغتيال بارزتين طالت أبرز قيادييه، عماد مغنية، في العاصمة السورية قبل سنوات عديدة وحسان اللقيس في الضاحية الجنوبية لبيروت، محدداً مكان العملية بمنطقة متنازع عليها بين لبنان وسوريا ولم يحسم أمرها حتى اليوم وليست داخل الحدود الفاصلة بين لبنان والأراضي الفلسطينية المحتلة، وفي الوقت نفسه مستفيداً من قرب موعد اجراء الانتخابات الاسرائيلية وما يفرضه هذا العامل من محاذير وضوابط تمنع في مجملها رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو من الانجرار إلى ردّ سريع وواسع ومتهوّر كما هي عادته في حصول مثل هذه العملية من قبل الحزب وغيره من التنظيمات المقاومة الأخرى تفادياً لتداعيات ومفاعيل سلبية تنعكس سلباً على وضعه الانتخابي كما هي حال معظم المسؤولين الاسرائيليين السابقين من قبل، الأمر الذي أدى الى اكتفاء الجيش الاسرائيلي بقصف مدفعي لبعض المناطق اللبنانية على الحدود المقابلة وإطلاق مزيد من التهديدات والوعيد ضد الحزب وتهدئة الأمور وإعادتها إلى طبيعتها باعتبار أن ما حصل هو عملية ضد جيش العدو الاسرائيلي مقابل عملية القنيطرة في الوقت الراهن على الأقل.
ويعتبر السياسي البارز ان الحزب توخى من تضخيم حجم العملية والتسويق لها سياسياً واعلامياً وكأنها توازي عملية القنيطرة بنتائجها والخسائر التي ألحقها بقوات العدو الإسرائيلي إلى تحقيق عدّة أهداف أساسية الأوّل، إعادة شد عصب مؤيدي الحزب والسعي قدر الإمكان للتخفيف من وطأة الاحباط التي تنامت في أوساط هؤلاء المؤيدين، وامتصاص تصاعد مشاعر الاستياء والقلق المتنامية جرّاء انخراط الحزب في الحرب السورية إلى جانب نظام بشار الأسد لمنع اسقاطه من قبل أبناء الشعب السوري الثائرين ضده بعدما ظهر بوضوح ان هذه المشاركة تحوّلت بعد مرور أكثر من عامين إلى حرب استنزاف طويلة الأمد وذهب ضحيتها مئات المقاتلين والشبان والجرحى والمعاقين ولم يتحقق من خلالها النصر الموعود وباتت تستهلك حالياً مقدرات الحزب ومعظم قوته بلا نهاية وفي أفق يبدو مظلماً ومسدوداً حتى اليوم بالرغم من كل الايحاءات والوعودالفضفاضة التي لا تستند إلى الواقع المتشابك في سوريا.
اما الهدف الثاني، فهو محاولة الايحاء بأن سلاح «حزب الله» ما يزال ضرورياً لمواجهة إسرائيل، وهذه الرسالة موجهة للداخل والخارج على حدٍ سواء، للداخل وللرافضين من خصوم الحزب تحديداً بوجوب عدم إثارة موضوع سلاح الحزب في الحوار الجاري، لا من قريب ولا من بعيد نظراً للحاجة إليه وها قد تمّ توجيهه ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي، في حين ان هذه المحاولة لم تعد تقنع معظم اللبنانيين باعتبار ان ما قام به الحزب لم يكن بدافع الدفاع عن لبنان وإنما تنفيذاً لأوامر الجمهورية الإيرانية باعتباره رداً ايرانياً على عملية اغتيال الجنرال الإيراني في القنيطرة وباعتراف كبار قادة ومسؤولي النظام الإيراني علناً وبدون أي التباس أو مواربة.أما الرسالة الموجهة للخارج فتتضمن قدرة طهران على استهداف الدولة العبرية متى شاءت بواسطة «حزب الله»، إن كان من الأراضي السورية او من لبنان، وبالتالي لا بدّ من أخذ هذا العامل بعين الاعتبار في أي صفقة مرتقبة مع الدول العظمى من خلال الملف النووي الإيراني أو لمستقبل الدور الإيراني بالمنطقة كلها في ضوء ما يُحكى عن ترسيم لبعض الدول بالمنطقة في المرحلة المقبلة.
ويبقى الهدف الثالث، وهو ما أعلنه الأمين العام لحزب الله بتغيير قواعد اللعبة من جانب الحزب منفرداً، أي انه سيرد على أي اعتداء أو غارة إسرائيلية أو ما شابه بالمثل، إن كان في سوريا او غيرها، وما تحمله هذه العبارة من معان وأبعاد استفزازية للبنانيين المناهضين للحزب، وكأنه لا يحسب لهم أي حساب في خطط وتوجهات قد تجرّ لبنان إلى مواجهة او حرب مع إسرائيل، متجاوزاً الدولة اللبنانية ومؤسساتها، وكأنها غير موجودة ومجازفاً بتعريض امن اللبنانيين للخطر من جديد، كما فعل في مراحل سابقة، وخصوصاً إبان حرب تموز عام 2006 التي دمرت فيها إسرائيل البنى التحتية وقتلت المئات وشردت عشرات الآلاف من بيوتهم وأضرت بالاقتصاد اللبناني وبنيته التحتية بمئات الملايين من الدولارات، الأمر الذي ينذر بإعادة الأمور إلى الوراء من جديد وإلى ربط مصير لبنان بما يقوم به الحزب من ممارسات وحروب خارج لبنان بمعزل عن إرادة وتوجهات معظم الشعب اللبناني، وبالتالي محاولة تحميلهم قسراً نتائج انخراط الحزب الكارثية في حروب النظام الإيراني بالمنطقة العربية، وهذا يؤشر الى ارتجاجات سياسية بالداخل وتفاعلات على الحوار القائم لأنه لم يعد مقبولاً بأي شكل من الاشكال هذا النمط من الممارسات التي تتعارض مع مصلحة لبنان واستقراره وسيادته.
ويخلص السياسي البارز إلى القول أن عملية مزارع شبعا ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي جمعت بالرد على كل الاستهدافات الإسرائيلية للحزب، بدءاً من اغتيال عماد مغنية وحسان اللقيس والغارات على مستودعات الصواريخ وعملية القنيطرة دفعة واحدة هذه المرة وأرضت النظام الايراني على حد سواء، وكل ما يقال خلاف ذلك مغاير للواقع، في حين ان ما اعلنه الامين العام للحزب بخصوص تغيير قواعد اللعبة في المرحلة المقبلة إنما يخضع لمعايير وحسابات أبعد من دغدغة مشاعر الناس وشد أزرها في كل الأحوال بعد انتهاء الانتخابات الإسرائيلية المرتقبة وانقشاع مسار مفاوضات الملف النووي الايراني وأي اتجاه سيسلكه.