العودة الى قانون 2008 أسهل بكثير من الذهاب الى قانون جديد. الأول خبره المخضرمون ــ وبينهم من عاصر نسخة 1960 ــ والحديثو السن حتى. يلعنونه في السر الآن ويتمسكون به في العلن. أما الثاني فلا أحد يعرف كيف الوصول الى التوافق عليه
مذ تشعّب الكلام عن أن الوقت لا يزال متسعاً للتوافق على قانون جديد للانتخاب، يصل الى الربع الساعة الاخير من نهاية ولاية مجلس النواب منتصف ليل 19 حزيران، ثم كلام الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله يشجع على إمهال الوقت بعض الوقت، لم يعد من الصعوبة بمكان توقّع خيارات المرحلة المقبلة.
بات التعويل على الايام الـ28 المتبقية حتى 19 حزيران يفترض بضعة معطيات منها:
1 ــ لا عجلة في التئام الهيئة العامة لمجلس النواب الاثنين المقبل (15 ايار)، وهو الموعد الذي حدده لها رئيسه نبيه بري بالتزامن مع تأجيل انعقاد البرلمان شهراً في 12 نيسان الماضي. وفي ضوء ما يلمح اليه بري، فإن جلسة نيابية مقبلة من الآن الى 31 ايار يتعيّن عليها أولاً التصويت على قانون جديد للانتخاب. سَحَبَ من التداول اقتراح القانون المعجل المكرر بالتمديد للمجلس لسنة المدرج في جلسة في 13 نيسان، وبات يقول إنه أصبح من الماضي.
بذلك فإن اكتمال نصاب أي جلسة عامة مقبلة أصبح معلقاً على التفاهم المسبق على جدول أعمالها، وتحديداً على البند الرئيسي والاول، وهو القانون الجديد للانتخاب. مع ذلك، لا يستبعد البعض انعقاد المجلس في 22 أيار قبل الوصول الى نهاية العقد العادي الاول في 31 أيار متى أُنجز الاتفاق على القانون الجديد. وقد لا يكون مستغرباً تعويل المجلس على الربع الساعة الأخير. في 31 أيار 2013، اليوم الأخير من العقد العادي الاول، صوّت على تمديد ولايته سنة وستة اشهر قبل 19 يوماً فقط من نهاية ولايته عامذاك.
2 ــ بعدما فُسّر استخدام رئيس الجمهورية ميشال عون المادة 59 من الدستور بمنع انعقاد المجلس طوال شهر بأنه للحؤول أولاً دون تمديد الولاية لسنة، وقيل حينذاك منتصف نيسان، إن من غير الوارد فتح عقد استثنائي للمجلس بانقضاء العقد العادي الاول للسبب نفسه، بات توقع صدور مرسوم العقد الاستثنائي الآن واجباً لمبررين على الاقل: أولهما توافق الافرقاء جميعاً بلا استثناء على الحاجة الى مزيد من الوقت للاتفاق يصل الى 19 حزيران، وثانيهما سحب تمديد الولاية لسنة من التداول نهائياً.
لن يعوز المجلس من العقد الاستثنائي سوى 19 يوماً فقط، هي المتبقية من ولايته القانونية لاتخاذ أحد تدبيرين لا يسعه التنصل من أي منهما: أحدهما التصويت على قانون جديد للانتخاب مقترناً بتحديد موعد إجراء الانتخابات النيابية وفق الاحكام الجديدة بعد ثلاثة اشهر على الاكثر من موعد نفاذه، وهو ما يُعدّ تمديداً تقنياً محدوداً. والآخر الاجتماع ايضاً لتعديل المهل القانونية المنصوص عليها في قانون الانتخاب النافذ (2008)، وتأجيل اقتراع المغتربين المنصوص عليه ايضاً في القانون كإجراء ملزم الى الدورة المقبلة، فسحاً في المجال أمام إجراء الانتخابات النيابية عملاً بالقانون النافذ خلال الاشهر الثلاثة المقبلة على أبواب الخريف، قبل فتح المدارس أبوابها.
3 ــ لأن توقيت التوافق على القانون الجديد لم يعد أقل أهمية من القانون نفسه وأحكامه، وقد أوشكت الولاية على الأفول، يواجه السباق مع الوقت صعوبة في إيجاد المخرج الملائم للأفرقاء جميعاً للخروج من المأزق. أسقط تباين المواقف معظم الاقتراحات المتداولة، في حين ربط رئيس المجلس إقرار اقتراحه بالموافقة على تزامن تطبيق شقيه: انتخابات نيابية بست دوائر وفق التصويت النسبي، واستحداث مجلس للشيوخ وفق التصويت الاكثري.
لأيام خلت قال بري إن اقتراحه يؤخذ كما هو أو يترك كما هو، رافضاً فصل أحد شقيه عن الآخر، تحت شعار تنفيذ هذا الجانب الملزم من اتفاق الطائف، مع إصراره على الاتفاق المسبق على مذهب رئيس المجلس وصلاحياته على نحو ما اقترح. في المقابل، يتحدث بعض المعنيين بالجهود الجارية عن تفاهم أقرب الى الاكتفاء بقانون انتخاب يعتمد النسبية نظام اقتراع، منه الذهاب الى استحداث مجلس للشيوخ، نظراً الى خلافات متشعبة لا تقتصر على مذهب رئيسه، بل تشمل ايضاً ــ وخصوصاً ــ صلاحياته التي يقتضي أن ينص عليها الدستور وهيئة مكتبه وعدد أعضائه وطريقة انتخابه وآليته. وهي نصوص، شأن البرلمان، موزّعة ما بين الدستور وقانون الانتخاب.
يبعث على هذا الخلاف عصارة التجربة اليتيمة، غير المكتملة والقصيرة العمر، التي خبرها لبنان لمجلس الشيوخ، لم تدم أكثر من سنة ما بين عامي 1926 و1927 قبل إلغاء المجلس ودمج أعضائه بمجلس النواب. حينذاك أُعطي مجلس الشيوخ صلاحيات تشريعية موازية لمجلس النواب نصّت عليها المادة 19 من دستور 1926، وألزمت لنشر أي قانون موافقة مجلس الشيوخ عليه، وتالياً امتلاكه صلاحية وضع يده على قانون ناقشه مجلس النواب وصوّت عليه، ما يحيل دوره الاشتراعي مكملاً لمجلس النواب، كون السلطة الاجرائية ملزمة إبلاغ مجلس الشيوخ القوانين التي يصادق عليها مجلس النواب كشرط مسبق لنشرها. أضف أن المادة 16 القديمة نصت على أن الهيئة المشترعة اثنتان هما مجلس النواب ومجلس الشيوخ.
صلاحيات كهذه ترك اتفاق الطائف لمرحلة ما بعد استحداث مجلس الشيوخ تحديدها. وهو سبب كاف في ذاته لأن يجعل هذا المجلس ــ ما ان يباشر الخوض الجدي السياسي والمذهبي فيه ــ قنبلة موقوتة بين الافرقاء، كما بين السلطات الدستورية الاخرى.
على وفرة تناقض مواقف الافرقاء من الصيغ المتداولة لقانون الانتخاب، ما يجعل احتمال التوافق على احدها ــ وبالذات القانون النسبي ــ يحتاج فعلاً الى معجزة، أو الى تنازل سياسي كبير يشبه المعجزة في احسن الاحوال، كالذي فعله الرئيس سعد الحريري حينما انضم الى انتخاب عون رئيساً للجمهورية. إلا أن التوافق الفعلي الوحيد القائم بين هؤلاء الآن هو على رفض الفراغ الكامل في السلطة الاشتراعية، وعدم إغلاق الابواب في وجه العودة الى قانون 2008.