Site icon IMLebanon

الأنظار الى عرسال بعد القلمون: المعركة حتميّة وأكثر «المستقبل» يستنفر : يُحرّضون الجيش لتوريطه !!

سريعًا، تمكّن «حزب الله» والجيش السوري من حسم معركة القلمون لمصلحتهما. رغم «التطبيل والتزمير» الذي سبق هذه المعركة، والذي دفع المسلحين والإرهابيين لتصوير أنفسهم وكأنّهم «المبادرون» الذين سيحقّقون «الفتح المبين»، تهاوت مواقعهم وتحصيناتهم بسرعة البرق، وتمكّنت المقاومة من إلحاق الهزيمة بهم.

قيل إنّ المعركة طويلة، وإنّها ستحتاج لأشهرٍ طويلة قبل أن تُحسَم، لكنّ الميدان قال كلمته سريعًا، بشكلٍ لم يتوقعه أكثر المتفائلين، ممّن انتظروا ذوبان الثلج طويلاً. تقول مصادر ميدانية في هذا السياق انّ الفضل في كلّ ما تحقّق يعود أولاً وأخيرًا إلى العناية الإلهية والرصد والتخطيط الدقيقين اللذين اعتُمِدا منذ اللحظة الأولى، تفاديًا لعنصر المفاجأة والمباغتة.

تؤكد المصادر أنّ ما حُكي عن تقنيات متطورة ومتفوقة استخدمتها المقاومة في القلمون غير دقيق، ذلك أنّها اعتمدت بشكلٍ أساسي أسلوب المشاة، بحيث تعمّدت مواجهة الإرهابيين على قاعدة رجل برجل، أي بطريقتهم وأسلوبهم وحتى أسلحتهم، ولكنّها وضعت كلّ السيناريوهات على الطاولة أمامها، وكانت مستعدّة لكلّ الاحتمالات، ولعلّ خبرتها القتالية ساهمت في تكبيد المجموعات المسلحة خسائر كبيرة.

بحسب المصادر نفسها، فإنّ التقدّم السريع الذي حققته المقاومة وضع الإرهابيين أمام ثلاثة خيارات أحلاها مُرّ، فمنهم من قُتِل على أرض المعركة، ومنهم من هرب وفرّ، ومنهم من أسِر، وإن كانت المصادر تتحفّظ عن الإفصاح عن أيّ معلوماتٍ تفصيلية حول هذه النقطة، باعتبار أنّ «كلّ شيءٍ يُعلَن عنه في الوقت المناسب». أما من هربوا، فتلفت المصادر إلى أنّ الظروف الجغرافية والميدانية هي التي تفسح في المجال لهم بالفرار باتجاه الشمال ولكن بعد أن يتركوا إمكاناتهم في الأرض، بحيث ينسحبون كتشكيلات مشاة لا أكثر ولا أقلّ.

ترفض المصادر في هذا الإطار ما يسوّقه البعض من أنّ المقاومة هي التي تدفع بهؤلاء المقاتلين باتجاه بلدة عرسال، من أجل توريط الجيش اللبناني في معركةٍ لا طائل فيها، وتوضح أنّه من الصعوبة بمكان عزل هؤلاء المسلحين وقطع الطرقات عليهم، شارحة أنّ تدرج العملية من الجنوب باتجاه الشمال هو الذي سبّب اتجاه الفرار هذا، علمًا أنّ طريق عرسال هي الوحيدة المفتوحة أمامهم، بعدما باتوا محاصَرين من كلّ الاتجاهات، مع الإشارة أيضًا إلى أنّ إمدادات المسلحين طوال الفترة الماضية كانت من عرسال حصرًا.

انطلاقاً من كلّ هذه المعطيات، تبدو معركة عرسال حتميّة في المقبل من الأيام، تقول مصادر مطلعة، لافتة إلى أنّ تسرّب المسلحين بشكلٍ واسعٍ نحو هذه المنطقة يدفع باتجاه هذه الخلاصة، خصوصًا أنّ بلدة عرسال كما يعلم القاصي والداني هي بلدة «محتلّة»، بشهادة وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، وهناك خشية كبيرة من سعي المسلحين والإرهابيين لأخذ المبادرة، مستفيدين من النازحين السوريين المتعاطفين معهم، وكذلك بعض اللبنانيين المتعاونين معهم، طالما أنّهم يقاتلون «حزب الله» والجيش السوري.

لكنّ المصادر تجزم أنّ الجيش اللبناني لن يجلس «متفرّجًا»، وهو يضع نصب عينيه كلّ السيناريوهات المحتملة، ويعتبر أنّ حماية الحدود اللبنانية والتصدّي للخطر الإرهابي المستفحل هو واجبٌ وليس خيارًا، وهي تشير إلى أنّ الجيش يستعدّ للاحتمال الأسوأ، وهو جاهزٌ للمواجهة، وجلّ ما يطلبه هو الغطاء السياسي الحقيقي من قبل مختلف الأفرقاء، على غرار ذلك الذي حصل عليه في طرابلس وعبرا، والذي شكّل النقلة النوعية والفاصلة، التي استطاع الجيش بعدها فقط الضرب بيدٍ من حديدٍ بكلّ ما للكلمة من معنى.

ترى المصادر السياسية أنّ هذا الغطاء لا يزال غير متوافرٍ حتى الساعة، بالنظر إلى التصريحات الصادرة عن بعض نواب «تيار المستقبل»، والتي يُشتَمّ منها رائحة «تعاطفٍ» غير بريءٍ مع المسلحين في مواجهة «حزب الله»، وهو ما تجلّى في البيان الأخير لكتلة «المستقبل» التي جدّدت فيه اتهام الحزب بـ«استجلاب الكوارث الأمنية والإنسانية» إلى الداخل اللبناني، وحديثها عن «توريط الدولة اللبنانية والجيش اللبناني في صراع لن يؤدي إلاّ إلى المزيد من الغرق في الرمال المتحركة في المنطقة». وهنا، لا تتردّد الأوساط «المستقبلية» في تحميل الحزب وحلفائه مسؤولية «تحريض الجيش لتوريطه» في معركةٍ لا يجب أن تكون معركته أبداً، قائلة ان الحزب يمعن في توريط لبنان واللبنانيين في مستنقع الحرب السورية الدموية، خدمة لأجندات ومشاريع خارجية لا تمتّ بصلة لمصلحة لبنان، من قريب أو من بعيد، بل «خدمة للولي الفقيه، وانطلاقاً من «انتصاراتٍ وهمية»، على حدّ تعبيرها.

تستغرب المصادر السياسية أن يبقى هذا الخطاب هو السائد، في وقتٍ لم يعد الخطر التكفيري والإرهابي الذي يستهدف لبنان بخافٍ على أحد، وهو لا يمكن أن يكون «وجهة نظر»، بدليل التطور الأمني المستجدّ خلال الساعات الماضية مع ضبط سيارة «رابيد» مفخخة في منطقة رأس السرج في عرسال، من دون أن ننسى السيارات المفخخة بالجملة التي تمّ العثور عليها في المناطق «القلمونية»، ولا سيما في معسكرات الإرهابيين، والتي كانت تنطلق منها نحو الداخل اللبناني، خصوصًا أنّ معظم هذه السيارات تحمل لوحات لبنانية، أو هي بلا لوحات، ما يوحي بأنّها تأتي من عرسال، حيث يتمّ تفخيخها لتعود أدراجها للبنان، لتحقّق الأهداف التخريبية والإرهابية.

تبقى ورقة العسكريين المخطوفين هي «اللغز» وسط كلّ هذه «المعمعة»، بحيث قد تستخدمها الجماعات المسلحة كـ«ورقة قوة» بيدها، عند تحرّك الجيش بوجهها، لكنّ المصادر تستبعد أن تعمد هذه الجماعات لـ»ابتزاز» القوى الشرعية اللبنانية من خلالها، كما كان يحصل في السابق، لأنّها تدرك أنّ المعادلات تغيّرت بشكلٍ كامل، وأنّ أيّ «مغامرةٍ» من هذا النوع ستكون «انتحارية»، ولن ينفع الندم بعدها، خصوصًا أنّ القرار قد أخِذ بضرورة الحسم، مهما بلغت التضحيات، خصوصًا أنّ مسار الأمور يبدو متجهاً بحسم نحو إعادة إحياء معادلة «الجيش والشعب والمقاومة»، شاء من شاء وأبى من أبى.

في مطلق الأحوال، يبقى الثابت أنّ لبنان الرسمي لا يمكن أن يستمرّ بسياسة «الهروب إلى الأمام»، أو ما يسمّيه البعض بـ»النأي بالنفس»، لأنّ الخطر لم يعد خارجيًا، ولا داهمًا، بل بات لبنان في قلبه بحق، والمطلوب اليوم وحدة حقيقية في مواجهته، بعيدًا عن كلّ الحسابات السياسية الفئوية الضيقة، أقلّه حتى لا يتكرّر سيناريو «معركة عرسال 1»، الذي لم يعد بالنفع على أحدٍ في لبنان…