ظل القرار الذي اتخذه الرئيس نبيه برّي في أوّل اجتماع عقدته لجنة التواصل النيابية الفرعية قبل حوالى شهر يقضي بدعوة الهيئة العامة لمجلس النواب في الأسبوع الأوّل من السنة الجديدة لدرس كل مشاريع واقتراحات القوانين الانتخابية وإقرار واحد منها سواء توصلت لجنة التواصل إلى اتفاق أم لم تتوصل والعودة عنه بصورة ملتبسة، موضع نقاش داخل كتلة حزب القوات اللبنانية التي كانت أوّل من رحب به واثنى عليه كونه يُشكّل خرقاً للأزمة السياسية في البلاد فضلاً عن انها تشكّل عامل ضغط على الجميع للتعجيل في انتخاب رئيس للجمهورية يشرف على إدارة دفة الحكم وتصويب ايقاعه وفقاً للنظام والدستور.
لكن الرئيس برّي فاجأ الجميع بعد مرور حوالى أسبوعين على اجتماعات لجنة التواصل بالتراجع عن هذا القرار متخذاً من افضلية انتخاب رئيس للجمهورية علي أي أمر آخر بما في ذلك إقرار قانون جديد للانتخابات، ما اثار اعتراض نواب القوات وأدى لاحقاً إلى تجميد اجتماعات اللجنة المذكورة وسقوط كل الآمال التي علقت على صدور قانون جديد عادل للانتخابات يرضي المسيحيين الذين يعتبرون ان قانون الستين جائراً ولا يوصل معظم ممثليهم إلى المجلس النيابي بارادتهم، وحاول نواب القوات الحصول من الرئيس برّي على جواب مقنع لهذا التبدل، الذي حصل دون جدوى سوى انه أعاد امامهم تكرار مقولته الشهيرة ان لا صوت يعلو فوق صوت ضرورة انتخاب رئيس أولاً بوصفه مطلباً مسيحياً قبل ان يكون مطلباً اسلامياً فضلاً عن ان انتخاب مجلس نواب جديد قبل انتخاب رئيس جمهورية له محاذير كثيرة، أوّلها عدم انتظام المؤسسات الدستورية وثانيها الوقوع في إشكالات دستورية كثيرة منها من الذي يجري الاستشارات النيابية لتشكيل حكومة جديدة كون الحكومة القائمة تعتبر مستقيلة حكماً بعد الانتخابات النيابية.
ومع ان تبريرات الرئيس برّي على هذا الصعيد تعتبر مشروعة، لكن السؤال عن أسباب تراجعه عن قراره ظلت بدورها مشروعة خصوصاً وانه التزم به امام اللجنة النيابية واعطاها مهلة حددها بشهر للاتفاق على أحد مشاريع القوانين والا فلتعرض كلها على الهيئة العامة.
طبعاً ليست المرة الأولى التي يعلن فيها رئيس المجلس موقفاً ثم يتراجع عنه، فقد سبق ان أعلن انه ضد تمديد ولاية مجلس النواب الحالي لأنها مخالفة للدستور وعندما نضجت طبخة التمديد كان أوّل من صوت معه، وادار ظهره لاعتراض حلفائه على هذا الموقف، وحجته ان لا صوت يعلو فوق انتخاب رئيس جمهورية، فهل يفهم من قراره الأخير بالتراجع عن دعوة الهيئة العامة في أوّل أسبوع من السنة الجديدة لجلسة تشريعية تقر خلالها قانون جديد للانتخابات النيابية انه ادرك بسعة اتصالاته الإقليمية والدولية ان طبخة الانتخابات الرئاسية وضعت على نار حامية، اما انه وبحكم اضطلاعه بدور رئيسي في تعبيد طريق الحوار بين تيّار المستقبل وحزب الله توسم منه خيراً في التوصّل إلى اتفاق على حل عقدة انتخاب الرئيس.
الاحتمالان واردان لا سيما إذا راجعنا ما كرره الرئيس برّي امام نواب لقاء الأربعاء من ان هناك تقاطعات إقليمية ومحلية تشي بقرب حل هذه العقدة الرئاسية.