IMLebanon

«تجاذب» مسيحي بين الخوف.. والرغبة بـ«حياة عادية»

حين يُستعاد حياد لبنان من تجارب الماضي

«تجاذب» مسيحي بين الخوف.. والرغبة بـ«حياة عادية»

في الأوساط المسيحية اللبنانية تعب من «المسلمين». هذا كلام في صلب السياسة، وإن كان يمكن ان يتحول بسهولة الى كلام طائفي على خلفيات غرائز بدائية.

يتأتى «التعب» من صراع مذهبي يتلحف عباءة السياسة حينا والدين حينا والفتنة في كل حين. صراع فتح ابواب الجحيم حول «الكيان» الصغير، وتسلل اليه. نبش الاحقاد وراكم عليها وزايد. فوقف المسيحيون منقسمون بين «دهشة» من كم الحقد الكامن، وبين الخوف على وجودهم، وبين رغبة معظمهم في العيش «حياة عادية».

يأس بعضهم من ضحالة الحاضر وأفقه المسدود، يدفعهم الى العودة الى دفاترهم القديمة، ووجوههم القديمة. فيصبح مفهوما حينها ان يوزع احد رجال الدين، وهو استاذ جامعي، على طلابه نصا لادوار حنين «يمجّد» فيه «حياة العادة». يقول شارحا حياة العادة أنها «حياة كل يوم، الحياة الأليفة المألوفة. الحياة التي نحيا عفويا، طبيعيا، تلقائيا، من دون جهد وتعب، في السر والعلن، في السوق والبيت، في الحقل والمتجر، في المصنع والمسبح، في الحانة والكنيسة، لعمل، لأكل، للهو او صلاة. حياة العادة هذه هي حب الوطن الصحيح والوطنية الانسانية المثلى…».

وحين اراد «الموازنة» في خياراته، اختار الرجل معادلة الـ6 و6 مكرر. فاستشهد بالمحاضرة الشهيرة للرئيس صائب سلام في «الندوة اللبنانية» تحت عنوان «لبنان واحد لا لبنانان». انتقى منها المقطع الذي يقول فيه «ليست الاوطان هدايا فتمنح. ولا ضرائب فتفرض. وانما تنشئها في الارض وترسّخها وشائج وروابط وتقاليد ومصالح وآلام وآمال مشتركة. قوتها من اتحاد بنيها وارادتهم وتصميمهم. وازدهارها ومجدها من نظام يرتاحون اليه، ويتمكنون في ظله من تنمية شخصيتهم وانشاء حياتهم…».

تلاقى إدوار حنين وصائب سلام على ما يختلف عليه اللبنانيون اليوم رغم بداهته وبساطته: الحياة العادية، وتنمية شخصيتهم وانشاء حياتهم…». وهذا ما يتحول مطلبا «سياسيا» مسيحيا. واذا كان ثمة من يعتبر ذلك هو جوهر السياسة وهدفها، فان آخرين قد يعتبرونه ترفا فكريا في زمن الانقسامات الكبرى والصراعات الطاحنة.

ومع ذلك، لا تحتاج الامور الى دراسات اجتماعية معمقة ليتم الاكتشاف ان معظم المسيحيين اليوم يطمحون الى «حياة العادة». بعيدا عن تنظيرات احزابهم وصراعاتها، وبعيدا، بشكل خاص، عن «جنون المسلمين» المتجلي تطرفا وتعصبا. ولا شك ايضا ان كثرا من المسلمين يطمحون الى تلك الحياة ايضا. ولكن دونها، على ما يبدو، سنوات كثيرة من الضياع والبحث عن السبل التي تتقاطع عند الراغبين بـ «حياة العادة» تلك على ابواب السفارات.

فهل من مخرج؟ هل من درب تقود الى تلك الحياة؟

حنين كان يرى في الحياد ذاك الدرب. وهو يقول «الحياد الذي نهدف اليه قاعدة عمل اكثر مما هو واقع قانوني. هو ارادة امة اكثر مما هو مواثيق دولية… هذا الحياد يُدرك بعد آلام كبيرة وتضحيات كبيرة وكبت بطولي كبير… ولا يكفي ان يقنع الشعب مريد الحياة، نفسه بضرورة هذا الحياد وانما عليه، ان يقنع دول الجوار والشعوب التي يهمها الامر من قريب ومن بعيد، بقبول الاعتراف بهذا الحياد، بحبس الاذى عنه، وباحترامه».

يفصل حنين كثيرا في «حياد» لبنان ويجده مخرجا شبه وحيد لـ «الحياة العادية»، مؤكدا انه «ليس بالحديد وحده تحيا الشعوب، بل إن بعضا منها يميته الحديد.. ونحن من هذا البعض».

وللكلام ، كما للهموم اللبنانية، مسيحية واسلامية، صلات كثيرة في السعي الى «حياة عادية».