تسير الانتخابات البلدية والاختيارية في قرى وبلدات جبل لبنان الجنوبي (عاليه، بعبدا والشوف) على إيقاع طبول العائلات، فيما أقصى ما حققته الأحزاب والقوى السياسية، هو أنها أجادت الرقص مع هزال حضورها، وارتضت السير في «مارشات» العائلات لئلا تغيب نهائيا عن «هموم» الناس. ولذا بدت الأحزاب وكأنها تستجدي دورا بدلا من صنعه، وتلتحف العائلة بدلا من الارتقاء بها إلى مستوى خطابها السياسي الضامر أساسا، ولم يكن مشهدا غريبا أن تعضد العائلة الحزب وترفده بأسباب القوة، طالما أنها مكوِّن أساس في بنيته نفسها، ما أفضى إلى مواقف متناقضة في «استراتيجيات» الأحزاب، وتخليا عن مبادئ وقيم لمصلحة «تكتيك» لحظوي، بدت معه في طبيعة حضورها عائلاتٍ وأجباباً ملتحفةً شعارات تنوء تحت ثقل أحمالها.
وليس بمستغرب أن يواجه الحزب نفسه في لوائح متنافسة، بعد أن توزع أعضاؤه بينها، وتبني سرا من يدينون بولاء ملتبس يسلك الطائفة ممرا إلزاميا إلى رحابه، وليس بمستغرب أن لا يجد توافق «التيار الوطني الحر» و «القوات اللبنانية» آليات لترجمته في مدى اللحظة تحالفا انتخابيا، في ما عدا استثناءات قليلة وفي قرى وبلدات صغيرة. وينسحب الأمر بالنسبة إلى «الكتائب اللبنانية» و «الحزب التقدمي الاشتراكي» و «الحزب الديموقراطي اللبناني»، وإن تفاوتت الانقسامات غير المعلنة تبعا للأحجام والحضور والمواقع، حتى أن ثمة تحالفات هجينة، كأن يتحالف «الاشتراكي» و «الديموقراطي» لاقصاء «الشيوعي» أو «القومي»، علما ان الأحزاب العلمانية ما زالت وفي حدود كبيرة مكبلة لاعتبارات وأسباب خارج سياق مقاربة الاستحقاق، فضلا عن أن الانتخابات تخاض بأكثر من معيار، ففي بعض القرى فرض النائب وليد جنبلاط مرشحا، ومنها رأس المتن، كبرى قرى المتن الأعلى، حيث تتنافس لائحتان بحضور «اشتراكي» غالب، ويحاول الحزب تظهير المعركة على أنها إنمائية، بين مدعومين رسميا من الحزب ورافضين إملاءاته. وليس الحال بأفضل في قرى وبلدات مثل: كفرمتى، عبيه، بيصور وغيرها، علما أن الحزب روج من خارج القرى والبلدات بتراتبيته التنظيمية مرشحين وفرضهم بالقوة، وابتعد في ما بعد متجنباً السجال والإحراج!
وبعيدا من الاستحقاق وتحويله درزيا ـ درزيا بين مكونيّن أساسييّن «الاشتراكي» و «الديموقراطي»، لم يكن الحال بأفضل على مستوى الأحزاب المسيحية، فبدت الصراعات، ولو متوارية، بين سائر مكوناتها، وتمظهرت الإشكاليات في لوائح متنافسة بين «التيار» و «القوات» ولو بعنوان عائلي، أما في بعض القرى فقد بدا أن ثمة صراعا بين «الكتائب» من جهة، و «التيار» و «القوات» من جهة ثانية، جرى تظهيره على أنه صراع عائلي، وتكرار لازمة «تركنا للعائلات اختيار ممثليها»، لكن في معظم القرى المسيحية والمختلطة عضدت العائلات هذه الأحزاب وانقسمت بينها.
وسط هذا المشهد «السوريالي» ستفضي النتائج إلى صراعات، واستقالات مجالس منتخبة، إذ ليس ثمة تغيير مرتجى، فالعصبيات القاتلة زينتها شعارات وبرامج لزوم المعركة لا أكثر، مع استثناءات قليلة، لا يعوّل عليها.