لم تعُد مسألة إقفال الجامعة الأميركية في بيروت مجرَّد شائعة أو افتراض. فالمعلومات التي تواردت، خلال الساعات الأخيرة، تؤكّد أنّ القرار جِدّي، وأنّ البحث يدور بين المعنيين بهذا الشأن لدرس الخيارات المتاحة.
عُلِم من مصادر مطلعة، أنّ قرار إقفال الجامعة الاميركية في بيروت قيد الدراسة، وأنّ الخيار المرجّح إذا تمّ الإقفال هو انتقالها إلى دبي، حيث تلقَّت الجامعة عروضاً مغرية، هي وفريقها الأكاديمي، مادياً ومعنوياً.
والأهم، أنّ هذا الخيار يلقى تشجيع ناشطين نافذين في جمعية خريجي الجامعة، وهم في الغالب شخصيات عربية لها وزنها، من جنسيات خليجية وأردنية وفلسطينية وغير ذلك، وتتولّى اليوم، أو سبق أن تولَّت، مواقع قيادية في بلدانها. كما تمتلك هذه الشخصيات نفوذاً خارجياً، خصوصاً في الولايات المتحدة.
ويُقدَّر أنّ جمعية الخريجين تَحلُّ في المرتبة الثانية بين سائر جمعيات الخرّيجين في العالم، من حيث القدرات المالية التي يتمتع بها أعضاؤها. وبين هؤلاء رجال مال وأعمال يتبؤون مراكز متقدّمة في لوائح الأثرياء عربياً وعالمياً. ولذلك، هم يشكِّلون أداة ضغط فاعلة في بيئاتهم وعلى الجامعة.
ويميل بعض هؤلاء إلى إقناع مسؤولين في الجامعة في بيروت بمغادرة العاصمة اللبنانية، تحت شعار أنّ الوضع وصل هنا إلى مستوى من التردّي السياسي والانهيار، يهدّد مصيرها ومستواها الأكاديمي ويؤثّر على سمعتها الرفيعة في الشرق الأوسط والعالم.
ويعتبر هؤلاء، أنّ عرض الانتقال إلى دبي من شأنه أن يصون الجامعة ويؤمِّن لها فرصة الإنطلاق في وثبة جديدة لم يعد ممكناً تحقيقها في لبنان حتى إشعار آخر، خصوصاً أنّ قرار الإدارة زيادة الأقساط باحتسابها على دولار 3900 ليرة لم يحلّ الأزمة.
فهذه الزيادة التي تعتبرها الجامعة حلاً وسطاً بين دولار الـ1500 «الافتراضي» ودولار الـ8500 «الفعلي»، لم تنجح في معالجة شكاوى أي من الأطراف المعنية. فالجامعة تعتبر أنّه لا يكاد يكفيها لتؤمّن الحاجات للاستمرار، فيما الأساتذة يشْكون من تراجع كبير في مداخيلهم، وأما الطلاب من الفئتين الفقيرة والمتوسطة، فيعتبرونها ضربة قاضية لهم، لأنّها لا تراعي أوضاعهم في ظلّ الكارثة الاقتصادية والنقدية والاجتماعية.
مشكلة الجامعة هي أنّ جزءاً كبيراً من الطلاب سيضطر إلى مغادرتها تحت ضغط الضائقة المادية، ما يُضعف من مداخيلها. كما أنّ الجسم التعليمي يتلقّى عروضاً مغرية في الخارج، ولاسيما في الخليج العربي، وبالدولار الأميركي طبعاً، وكذلك الأطباء في المستشفى الجامعي، ما يثير المخاوف من إفراغ الجامعة والمستشفى من كوادرهما الأساسية. وبذلك، سيكون أمام الإدارة دافع إضافي لاتخاذ قرار الانتقال، مع طاقمها الأكاديمي، إلى حيث تتوافر ظروف الانطلاق من جديد.
بعض اللبنانيين المعنيين بالملف يسألون: لماذا لا يساهم هؤلاء الخريجون، وهم من أصحاب المليارات أو مئات الملايين، بجزء بسيط من أموالهم، في دعم الجامعة التي أطلقتهم وأمَّنت لهم القدرات العلمية والسمعة الطيبة من أجل تحقيق النجاح، بدلاً من تشجيعها على مغادرة بيروت؟
ويستطرد هؤلاء: من الواضح أنّ تشجيع الانتقال إلى دبي يأتي في سياق آخر، وهو الإنتقام من الطبقة السياسية اللبنانية، وتالياً من لبنان بأسره، بسبب «قلَّة الوفاء» للعرب الذين لطالما قدّموا إليه المساعدات على أنواعها، فردّ أبناؤه وحكامه بمناصرة إيران.
إذا أقفلت الجامعة الأميركية في بيروت أبوابها، بمستشفاها، وانتقلت إلى دبي، فستكون العاصمة اللبنانية قد خسرت جوهرة التاج ثقافياً وأكاديمياً واستشفائياً. وسيجد 3 أطراف مصلحتهم في ذلك:
1- الخريجون النافذون الذين يشجعون على القرار، لأنّهم سيحظون بفرصة أن يقدّموا الجامعة هدية إلى بلد عربي يتقدّم في شكل مطِّرد، ويحصلوا على المكافأة.
2- القوى الدولية التي تفرض الحصار على لبنان، وفي مقدّمها الجانب الأميركي، والتي ستجد أنّ إقفال الجامعة ساهم في زيادة الضغوط.
3- دبي التي تُرسِّخ أكثر فأكثر مركزها الثقافي شرق أوسطياً، وطبعاً مركزها المالي، فيما يتزعزع القطاع المصرفي اللبناني.
واستطراداً، إنّ إفقاد بيروت مزيداً من أوراق القوة يريح إسرائيل التي عمّها السرور في 4 آب الفائت، بعد انفجار المرفأ الذي لا أفق لإعادة إعماره. فقد بات مرفأ حيفا أقدر على التفرّد بالمنافسة في شرق المتوسط، بالإطلالة على أوروبا.
يفقد لبنان مقومات تميُّزه أو تفوُّقه، وحتى مقومات حضوره، يوماً بعد يوم، في ظل نهجٍ مصلحي ضيِّق ومدمِّر تعتمده الطبقة السياسية الحاكمة: اقتصاد مشلول، حيث لا صناعة ولا تجارة ولا سياحة ولا خدمات، وقطاع مالي ومصرفي في الحضيض، ثم تعطيل المرفأ، فيما تبرز هواجس تعطيل المطار.
ستكون من لعنات التاريخ على لبنان أنّه، وفي عهد هذه التركيبة الفاسدة والفاشلة من المسؤولين والسياسيين- «كلن يعني كلن»- أغلقت الجامعة الاميركية أبوابها في بيروت، وما رفَّ جفنٌ لأي من أركانها.