عكَسَ السباق بين الحل السياسي وبين التصعيد الميداني في سوريا نفسه على لبنان تلقائياً، فتوتر الجو السياسي والحكومي فجأة وخلافاً للمتوقع، باستثناء بعض الرسائل السياسية الهادئة التي أرسلها الرئيس سعد الحريري الأسبوع الماضي، من ضمن مساعيه لإيجاد مخارج للأزمة، برغم الشكوك المحيطة بنجاح مسعاه. لكن المزايدات السياسية القائمة بين الأطراف السياسية وبخاصة في «الساحة المسيحية»، حول الكثير من الأمور والقضايا المطروحة لأسباب رئاسية وانتخابية، فرملت الجو الإيجابي الذي سيطر في أعقاب استئناف الحوار بين «حزب الله» و «تيار المستقبل»، والحديث عن تقدم في الحوار النيابي الموسّع والاتفاق على تفعيل العمل الحكومي.
وكانت الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء عيّنة عن الجو المتوتّر المخيم على بعض الأطراف السياسية، نتيجة عدم تمكّنها من الحصول على مكتسبات سياسية وعدت نفسها بها، فيما خيّم على البلاد جو ضبابي بعد القرار الروسي بسحب «فائض القوة العسكرية» من سوريا، وبنيت عليه أوهام ومواقف في غير مكانها بعدما اتضحت ابعاده وخلفياته بعد ايام، بتأكيدات من أعلى السلطات الروسية بمن فيها الرئيس فلادمير بوتين، بأن موسكو لن تتخلى عن سوريا ولا عن الرئيس بشار الاسد.
ولذلك تبدو الساحة اللبنانية متروكة للتكهنات وللمزايدات وللنصائح الخارجية التي لا تسمن ولا تغني من جوع، فيما بدأ الجو المذهبي يطغى على العمل السياسي من باب التوظيف والمناقلات في الدولة، وهوما تستغربه جهات حكومية، مؤكدة أن الحصص الوظيفية في الفئة الاولى ما زالت كما هي مناصفة بين المسلمين والمسيحيين، ومشيرة الى أنه في المباراة الأخيرة التي جرت في مجلس الخدمة المدنية لموظفين في وزارة الخارجية فاز ما نسبته 56 في المئة من المسيحيين مقابل 44 في المئة من المسلمين، وتمّت الموافقة على تعيينهم في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء بلا اعتراضات، فيما ثمة وظائف لا يتقدم لها المسيحيون بنسبة كبيرة فتطغى عليها نسبة التوظيف العالية لدى المسلمين.
وتعتبر المصادر الحكومية أن المبالغة في المزايدة الطائفية والمذهبية، لا سيما لدى القوى المسيحية، لا مبرر لها، ولا يوجد افتئات على حقوق المسيحيين في التوظيف، بينما مشكلة جهاز أمن الدولة تخضع أيضا لتجاذب سياسي وإداري نتيجة تراكمات، وهي كانت قيد المعالجة الهادئة قبل ان يدخل عليها الضغط الطائفي الديني والسياسي ففاقمها وكادت تفجّر جلسة مجلس الوزراء نتيجة المزايدات.
وترى المصادر أن التوتر الذي حصل في الجلسة الأخيرة للحكومة لم يكن له مبرر، خاصة أنه تجاوز المزايدات المسيحية الى مزايدات من قوى اخرى غير مسيحية، سواء من باب رد التهمة او من باب الاحتقان السياسي بخلفياته وأسبابه المعروفة. لذلك تعتبر المصادر أن هذا التوتر المفتعل وغير المبرر سيزول تلقائيا بمجرد معالجة بعض الأمور العالقة حكومياً ووظيفياً وإدارياً، وسيعود الصراع الى سياقه الطبيعي حول الاستحقاق الرئاسي وحول قانون الانتخاب وقضايا أخرى أساسية، ربطاً بما يجري في سوريا والمنطقة من تطورات تُبقي الوضع اللبناني معلّقاً على حبال الهواء.