IMLebanon

استحقاقات سياسية قبل ذكرى الرابع من آب

 

 

تتفاعل الخشية مع اقتراب ذكرى تفجير المرفأ في اليوم الرابع من آب، من أن تضاعف المناسبة النقمة العارمة تزامناً مع انهيار مالي واجتماعي، ومع منعطف جديد في مسار التحقيق الذي يجريه المحقق العدلي طارق بيطار. تبعاً لذلك تفرض جملة معطيات واستحقاقات نفسها على الحدث، من الزاوية السياسية وانعكاس التحقيق في جريمة المرفأ والاستدعاءات، على مجمل المشهد السياسي.

 

أولاً: ثمة معطيات مالية ومصرفية تفيد بأن بحثاً جدياً يجري في دوائر مصرف لبنان لتسهيل بعض الملفات المالية العالقة التي تتسبب بأزمات معيشية حادة، وتتزايد انعكاساتها السلبية على الأرض. والبحث لا يتعلق بتسهيل أمور المواطنين لأسباب إنسانية أو تحسساً مع أوضاعهم المتدهورة، إنما خشية تزايد النقمة مع اقتراب الرابع من آب. المسألة تتعلق باحتمال تضافر عوامل النقمة الإنسانية في ذكرى سقوط شهداء المرفأ وضحاياه، مع العناصر الاجتماعية بسبب أزمتي المحروقات والأدوية، فلا تجد منفذاً لها سوى رد الفعل على مصرف لبنان والمصارف. وهذا يستدعي تخفيف بعض «القيود» المعمول بها حالياً في إطار شد الكباش بين القوى السياسية، وتأجيل جزء من نواحي الأزمة إلى ما بعد ذكرى 4 آب، طالما أن الأزمة الأساسية الكبرى لن تُحلّ قريباً. وما دام الوقت مفتوحاً أمام القابضين على مفاتيح الأزمة من إغلاق الأبواب المعيشية أو إقفالها ساعة يريدون، فإن الأهم هو تجاوز مرحلة 4 آب بأخف الأضرار الممكنة، وسحب الناس من الشارع مهما كانت أسباب وجودهم. وهذا الأمر تجد فيه كل قوى السلطة السياسية والأمنية مصلحة كبرى.

ثانياً: سياسياً، ومنذ وقوع الانفجار، يتعامل التيار الوطني الحر مع المسألة بلا حماسة على عكس ما هي عادته مع ملفات أخرى أقل أهمية سياسياً أو أمنياً. لا بل إن الاستثمار السياسي في مسارعة دول كثيرة للمساعدة الإنسانية وما أعقبها من مبادرة سياسية للرئيس إيمانويل ماكرون، صب في غير منحاه الأساسي. وبدت «حيادية» التيار في بعض الأحيان سلبية، حتى من جانب العهد، خصوصاً بعد اللغط الذي دار حول اللقاء بين رئيس الجمهورية وعائلات الضحايا. انعكس الانفجار في البيئة «المسيحية» رد فعل على التيار الوطني الحر وزاد الغضب عليه، ما ترك أثراً سلبياً على وجوده في بيروت مهما حاول بعض من في التيار المكابرة. وجاء توقيف المدير العام للجمارك بدري ضاهر، الذي تربطه علاقة متينة برئيس الجمهورية وما تردد عن تدخل الأخير لصالحه، ليزيد من النقمة على التيار. لكن مع الاستدعاءات الأخيرة والأسماء التي طلبت للتحقيق أو ادعي عليها، أزيح الضوء عن التيار ورئاسة الجمهورية، رغم ورود اسم المدير العام لأمن الدولة طوني صليبا في لائحة المدعى عليهم. لكن التصويب أتى في اتجاه ضباط ليسوا محسوبين على التيار ، بل خاض معركة مزمنة ضدهم (كقائد الجيش السابق العماد جان قهوجي). إضافة إلى أن استهداف بعض الأسماء السياسية لا يزعج التيار مطلقاً. القطبة هنا أن الكلام بدأ عن جو سياسي يكاد يشبه مرحلة ما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وعززه لدى معارضي حزب الله كلام الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله عن مسار التحقيق. وهنا لا يمكن للتيار إلا أن يفتح باب المقايضة للحصول على تغطية سياسية شبه كاملة له في الحكومة الجديدة (بعد اتجاه الرئيس المكلف سعد الحريري إلى الاعتذار)، بعكس ما جرى في مفاوضات الحكومة الحالية فيضاعف من شروطه في عملية التأليف ويشتدد فيها. فمسار التحقيق حتى الآن سيعطيه انتصاراً، كونه يستفيد من الإحراج الذي أصاب موقف الثنائي الشيعي في رفع الحصانات والاستدعاءات وطلب الأذونات، وصولاً إلى كلام نصرالله عن التحقيق. وفي المقابل يؤمّن التيار غطاءً سياسياً يجري التفتيش عنه من أجل استكمال التحقيق في انفجار المرفأ في شكل لا يوجه الأنظار نحو قوى محددة على قاعدة استهدافها سياسياً، وفي شكل لا ينعكس عليه سلباً في البيئة الانتخابية المسيحية. خصوصاً أن هناك من ينتظره على «الكوع» لينقض عليه في مراقبة شكل المقايضة ومستقبلها.

ثالثاً: إذا كانت الأنظار تتجه إلى مجلس النواب كما إلى الموقف المقبل للأمين العام لحزب الله، فإنه لا يمكن إلا معاينة موقف القوات اللبنانية في مسار التحقيق الحالي ومواقفه في المجلس النيابي. نائب رئيس حزب القوات جورج عدوان الذي بادر إلى الكلام عن الحصانات وضرورة دعم القاضي بيطار، يرأس لجنة الإدارة والعدل التي من مهمتها التنسيق مع مكتب المجلس من أجل وضع الإطار المناسب لرفع الحصانات. القوات التي تحوّلت منذ اللحظة الأولى للانفجار رأس حربة في رفع السقف حيال الجريمة، خصوصاً مع سقوط شهداء مناصرين أو محازبين في الانفجار، ستكون أمام استحقاق سياسي – انتخابي في الوقت نفسه. والمسلك الذي ستسلكه سيكون تحت المعاينة بدقة، لأنه يترك تأثيرات مباشرة إن في علاقتها برئيس المجلس النيابي، وخلفه حزب الله، وإن في موقفها أمام الرأي العام المسيحي، وهو ما يمكن أن يرتد عليها انتخابياً، إضافة إلى موقعها الخاص أمام ضحايا الانفجار وأهاليهم ومحازبيها منهم. وأي قرار ستتخذه في إطار القرار العام الذي يتخذه مجلس النواب سيكون فاتحة مرحلة جديدة من الانقسامات، يحاول كل طرف شد العصب المحلي فيها قبل الوصول إلى الانتخابات.