IMLebanon

لبنان الموارنة: من موئل… إلى معقل… إلى رمز!

 

عشية ذكرى الإنفجار الأقوى في العالم

 

 

يمرّ لبنان حالياً في ظروف تكاد تكون الأكثر سوداوية وخطورة في تاريخه. نحن عشية ذكرى انفجار الرابع من آب عام ألفين وعشرين والذي اعتبرته مصادر الرصد في العالم كواحد من أقوى الانفجارات التي شهدتها الكرة الأرضية عبر تاريخها. والغريب والمريب والمؤسف، أنّ التحقيق القضائي في هذه الجريمة الذي كان يجريه المحقق طارق البيطار قد توقّف. السؤال الذي يطرحه الجميع: لماذا توقف هذا التحقيق؟

 

هذا تصوّر خيالي لما حدث:

 

1. تمكّن المحقق طارق البيطار من جمع معطيات وبينات حول موضوع النيترات في مرفأ بيروت: في مصدرها وطريقة نقلها إلى المرفأ ومن ثم تخزينها في عنبر معيّن.

 

2. ويبدو أنّ المحقق تمكّن من معرفة الجهات التي كانت تهتم بهذه النيترات وباستخدامها وبطبيعتها وبمعرفة جهات مختلفة مدنية وعسكرية بوجودها وبخطورتها.

 

3. ومع تقدّم عملية التحقيق مع الشهود والمعنيين صار المحقق البيطار يطرح على الشهود أسئلة تدل على أنه صارت لديه فكرة معيّنة عن مسار الموضوع ككل، وأنه صار يمتلك رأس خيط في عملية التفجير. أي أنّه صار يملك تصوراً أولياً عما حدث وكيف حدث ولماذا حدث ومن المسؤول عن حدوثه.

 

4. في هذه الدرجة، بلغت الأمور حداً من الخطورة لم يعد من المناسب للمعنيين بالتفجير ترك المحقق يصل إلى الحقائق الحاصلة لذا، رفعت ضده الاتهامات التي تمنعه من اكمال التحقيق وتوقفت الأمور عند هذا الحد، ولا تزال متوقفة إلى الآن.

 

5. هذا لا يعني انّ ما قام به المحقق البيطار قد ضاع سدى. ذلك أنّ المحقق قد وضع تقريراً خاصاً، وإن لم يكن تقريراً قضائياً وجعله في موقع آمن لديه، وفيه سرد للحقائق التي توصل اليها في تحقيقه الجزئي. لقد منعوا المحقق حتى الآن من إكمال التحقيق واصدار تقرير شامل عن عملية النيترات بكافة عناصرها وأبعادها ولكن أهمية التقرير الجزئي الخاص للتحقيق أنّه وضع الأسس وذكر الأشخاص والجهات المعنية بالنيترات والتفجير. وهو أمر أساسي في جريمة التفجير.

 

… إن ما قام به المحقق البيطار حتى الآن عمل جزئي. ولكنه عمل يُبنى عليه!

 

لبنان الموارنة!

 

مع اقتراب موعد الذكرى المئوية للبنان الكبير أيلول 1920، صار من الضروري تتبّع موقع لبنان في الذهن الماروني من موئل إلى معقل ومن ثم إلى رمز. وكان لكل من هذه العناوين معناها التاريخي والجغرافي.

 

1. فلبنان الموئل هو الذي اختارته الجماعات المارونية مقصداً لها منذ القرن الخامس للميلاد نازحة من شمال سوريا ذلك أنّ مار مارون أبو الطائفة توفي عام 410 م. وعمد الموارنة إلى الرحيل جنوباً نحو جبل لبنان نحو البقاع ثم انحدروا من السلسلة الغربية إلى ضواحي العاقورة وتمددوا شمالاً. وكان تفاعلهم مع أرض لبنان نموذجاً فتحوّل الجبل معهم إلى قلعة حصينة.

 

2. وهكذا بدأ يتكوّن لبنان المعقل الذي لديه أسباب ووسائل الدفاع عن نفسه تجاه الغزوات الأجنبية. وفي هذا اجتمع الموارنة كنيسة وجماعة وأمة فلاحين وشكّلوا قوّة لا يستهان بها في شرقي المتوسط لديها عدّة مميّزات.

 

3. الحيوية الناتجة عن علاقة الموارنة بأرض لبنان وجباله وهي علاقة تقوى كلما كانت هذه الأرض ذات أهمية استراتيجية كأرض لبنان.

 

4. الكيانية بحيث تشكل هذه الأرض دولة ذات حدود مرسمة وبالتالي لها كيان خاص بها.

 

5. ادراك الذاتية بحيث صارت المارونية تدرك ذاتها الخاصة وهويتها المميّزة ولذا، اهتمت بكتابة تاريخها من البطريرك الدويهي إلى الخوري بطرس ضو.

 

6. التعددية الخلاقة بمعنى أنّ لبنان الموارنة ليس لهم وحدهم أي جبل الموارنة، كما فعل غيرهم بل هو جبل الحرية لهم ولسواهم ولكل من يطلب العيش بحرية وسلام في هذا الشرق كما كان يردّد ويشدّد الأباتي شربل القسيس، بل هو جبل الحرية كما كان يدعوه ميشال شيحا.

 

7. الميثاقية: ذلك أنّ كل أقلية كانت تقصد لبنان للعيش فيه كانت ميثاقية مسبقاً لأنّها كانت تدرك أنّها ستعيش إلى جانب اقليات أخرى مثلها وبالتالي عليها أن تكون متشاركة مع غيرها في الأرض والعيش والحياة والمصير. وفي كل مرة كانت احدى الأقليات تخرج على هذا المبدأ، وهو ما تفعله الأقلية الشيعية اليوم، فإنّها تعرض الحياة الجماعية والنظام لمأزق يهدد الحياة العامة.

 

8. الحرية: أهمية لبنان أنّه كان ويبقى وسيبقى حصناً لحرية الشعوب إنّها حرية الدين والاجتماع والثقافة، إنّها البحث عن الحرية وللهرب من الاضطهاد وكما يقول المطران حميد موراني: «إنّ وجدان كل ماروني يولد من هذا المعنى».

 

9. الرسالية: هي الصفة التي أطلقها البابا يوحنا بولس الثاني على لبنان من أنه البلد – الرسالة إلى أنه يمثّل رسالة للانسانية كلها ولا سيما الحياة المشتركة المسيحية – الاسلامية بأبعادها الدينية والثقافية والحضارية وفيه تلتقي القيَم الثلاث: الثقافة والازدهار والسلام وهو ما تسعى إليه الانسانية في القرن الحادي والعشرين.

 

10. ولبنان الرمز هو بالنسبة لجميع اللبنانيين في لبنان ومختلف أنحاء العالم البلد الرمز المعبّر عن روحية شعبه وقيمه العليا وذلك من خلال معابده وصوامعه. إنّ لبنان الرمز هو العامل الذي يربط لبنان المغترب بلبنان المقيم وهو الذي يشكل القاعدة للدياسبورا اللبنانية في العالم والتي تصل بحسب آخر الاحصاءات الديمغرافية للدياسبورات في العالم إلى نحو اثني عشر مليون لبناني!

 

يبقى السؤال: ما الذي يربط بين تفجير بيروت ورمزية الكيان اللبناني؟

 

الجواب واضح: إنّ الأهمية الاستراتيجية لكيان لبنان في شرقي المتوسط، وعلى منتصف الدائرة بين انطاكية وغزه يجعل منه البلد الأكثر أهميّة في الشرق. إنّ تفجير بيروت ليس القصد منه تفجير مرفأ أو مدينة، بل تفجير تجربة كبرى للحياة والحرية في منطقة يراد لها أن تعود إلى زمن الظلم والظلام والعبودية!