إستغرق اجتماع الرئيس المكلف نجيب ميقاتي ورئيس الجمهورية ميشال عون 45 دقيقة. خرج بعده ميقاتي لينفي ما يتم تداوله عن صعوبات تعتري عملية التشكيل وتؤدي إلى اعتذاره.
45 دقيقة للإجتماع، وقبلها، يوم الإثنين الماضي، نصف ساعة، تلاها خطاب متجهم ومتوتر ويفتح التأويلات على اليأس من طبخة البحص التي تلتزم المراوحة. كل ما يحصل يؤكد أن العقبات هي هي مع التكليف الثالث.
بالتالي، الثالثة ليست ثابتة، على ما يبدو. ولا ينفع فيها مؤتمر دولي إنقاذي، لا وظيفة له إلا حث أولاد هذه المنظومة المهترئة على المسارعة إلى تشكيل الحكومة والحصول على المساعدات، وإلا العقوبات المائعة.
ولا نعرف إن كان ميقاتي قد تطرق خلال اجتماع الـ45 دقيقة إلى ما جرى في 4 آب، حيث لا مكان لدولته او لفخامته، ولا لأي من أولاد المنظومة في الشارع مع الناس.
وبالتأكيد لا ينفع التوضيح أو تسليط الضوء على مدى عزلة أولاد المنظومة. فلا حكومة في الأفق لأن كلمة السر لا تزال في علم الغيب.
صاحب الكلمة لا يجد سبباً ليستعجل. أوراقه، على ما يحسب، لا تزال تنفع لتطويع المجتمع الدولي وفق شروطه.
فهو وببساطة، يعمل وفق أولوية تقضي بتسريع الإنهيار والقضاء على النظام الحالي بكل أسسه وصولاً إلى الفراغ الشامل. ويعتقد أن البحث عن نظام جديد سيبدأ حينها، وبما يناسب المحور لقطف ثمار الانتصارات الإلهية المتراكمة والأيام المجيدة المباركة.
هذا ما يريده المايسترو، وما يعمل لأجله، مهما كانت العقبات التي تعترض مسيرة الصمود والتصدي. فهو يشعر بقدرته على تجاوزها بإتجاه سدرة المنتهى.
لكن ما غاب عن بال المايسترو أن جهوده انصبت على تدجين المنظومة بأحزابها الطائفية وتلك التي تركت ايديولوجياتها التقدمية والثورية لتنفذ التعليمات مقابل التمويل.
إلا أن شارع 4 آب فضحه وفضح منظومته. فقد جرت عملية الفرز بوضوح لا لبس فيه. ففي الشارع لبنانيون وصلوا إلى مرحلة الاستعصاء على الخوف والتدجين، ومن دون خطابات رنانة ومشهديات فاقعة. هؤلاء لا رغبة لديهم بمهاترات واستعراضات إعلامية. وهم، كما بينت انتخابات نقابتي المحامين والمهندسين، يجيدون العمل بأقل ضجيج ممكن ويتجنبون أفخاخ السلطة، ليتوجهوا إلى هدفهم مباشرة، سواء في صناديق الإقتراع أو قبالة موقع جريمة تفجير مرفأ بيروت.
وهناك أهل المنظومة الذين يستنسخون خطاباتهم ويستولون على مطالب الشعب يتشدقون بها، ويدعي كل حزب منها أنه التَقِيُّ النَقِيُّ الطاهِرُ العَلَمُ، وغيره هو الشيطان والمجرم المدان، ليبرهنوا بمزايداتهم أنهم صور كربونية، مهما كانت التمايزات التي يحسبون أنهم بها سيكرسون غلبتهم على الآخر الذي يتنافسون معه، في حين يقبع المايسترو على التلة يتأملهم ويضع النقاط لهم.
لذا وبمعزل عن المشهديات التي تتفتق عن عبقرية “كلن يعني كلن”، وبمعزل عن التوجيه الواضح لتغذية الحزازيات بين أطراف المنظومة، لتحويل رفض نسبة كبيرة من اللبنانيين لها إلى فتنة بين الطوائف، ومع العمل الدؤوب على معادلة “فرق تسد”، إلا أن شارع 4 آب سبقهم بأشواط، وسبق المجتمع الدولي الذي يلعب على إيقاع مصالحه وعلى حسابنا.
لبنانيو 4 آب، هم خلاصة وجع وتجارب، مع قناعة بأن الخلاص يبدأ بإنتخابات يفترض أن تكون لناظرها قريبة.. هذا إذا لم يجعل المايسترو عاليها واطيها حتى لا يتبهدل مع أولاد منظومته في صناديق الاقتراع.